تعاني أشجار النخيل، بما تمثله من قيمة كبري فى حياة العربي، خطر الحشرات الضارة، فسوسة النخيل الحمراء ويطلق عليها "سرطان النخيل" لكونها تنهك النخلة وتفرغ جوف جذعها وتقضى عليها، وأمام هذه المشكلات تشنّ الدول المنتجة والمصنعة للتمور حربا على هذه الحشرة لحماية ثروتها من النخيل، فقد انتشرت هذه الآفة الخطيرة بين الدول المنتجة للتمور خلال النصف الثاني من القرن الماضى فى الكثير من الدول، ففي عام 1985 تم تشخيص حالات إصابة بالحشرة فى قطر والإمارات،
وفي عام 1987 انضمت السعودية، وخلال التسعينيات انتقلت الحشرة إلى إيران ومصر والكويت والأردن من خلال تبادل الفسائل المصابة وأصبحت تهددپملايين من أشجار النخيل التى تنتج أجود أنواع التمور، مما جعل المزارعين والباحثين والخبراء فى تخوف من أن تقضى هذه السوسة على النخيل فى خلال سنوات أحد أهم مصادر الغذاء، فضلاً عن أنها تلعب دوراً اقتصادياً واجتماعياً مهماً، وأصبحت ثمارها إحدى السلع الاستراتيجية التى تحتل مكانة بارزة فى أولويات الأمن الغذائي.
"الجمهورية أون لاين" التقت عدداً من الباحثين والخبراء المتخصصين فى سوسة النخيل الحمراء خلال المؤتمر العلمي الذى عقد بقصر الإماراتپبأبوظبي وعرض 20 ورقة علمية لأفضل الممارسات فى مكافحة السوسة مؤكدينپما جاء من "منظمة الفاو" أن السوسة الحمراء تهدد استثمارات في قطاع النخيل 13 مليار دولار على مستوى المنطقة العربية المنتجة للنخيل وعلى ذلك لابد من تعاون المزارع مع الدولة ووضع برنامج وطنى متكامل لمكافحة تلك الحشرة.
قال د. عبد الوهاب زايد أمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي إن سوسة النخيل الحمراء تعتبر آفة عابرة للحدود ولا تستطيع دولة بعينها أن تحقق أي تقدم في مكافحة هذه الآفة بمفردها دون التعاون مع الدول المجاورة ووزارات الزراعة للدول المنتجة للتمور ولتنفيذ البرنامج الوطني وتقديم الخدمات والتسهيلات لإنجاح البرنامج، لكنه لا يوازى حجم المشكلة، ومن هنا تأتي أهمية الاجتماع الوزاري رفيع المستوي لوزراء الزراعة في الدول المنتجة والمصنعة للتمور الذي حرصنا أن يكون بعد خمس سنوات وبشكل دوري للوقوف علي ما تم إنجازه وما يمكن أن نقوم به في المرحلة القادمة.
وأشار: صدر عن الاجتماع الوزاري الأول لوزراء الزراعة في الدول المنتجة والمصنعة للتمور الذي نظمته الجائزة 2019 إعلان أبوظبي الأول بشأن سوسة النخيل الحمراء، وتم وضع استراتيجية إطارية لاستئصال سوسة النخيل الحمراء وإنشاء صندوق ائتمان لتنفيذ الاستراتيجية بمساهمة من الدول المتضررة من حشرة السوسة الحمراء، بإشراف منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، مؤكدا أهمية الاجتماع الوزاري الثاني لوزراء الزراعة الذي أكد أهمية البرنامج الإقليمي لاستئصال سوسة النخيل الحمراء، ودعم البرنامج لمتابعة تنفيذه علي مدي خمس سنوات قادمة بالتنسيق مع الدول المساهمة كما تم تنظيم مؤتمر علمي لعرض ما يناهز 20 ورقة علمية، بمشاركة نخبة من الخبراء والمختصين لعرض أفضل الممارسات فى مكافحة سوسة النخيل الحمراء، مع توفير بث على الهواء مباشرة حول العالم خلال اجتماع الوزراء.
وقال: صدور كتاب "الجهود الدولية لمكافحة سوسة النخيل الحمراء" باللغتين العربية والانجليزية، لرصد ما تم إنجازه من قبل الدول المشاركة، إنتاج عدد خاص من مجلة الشجرة المباركة "واحد باللغة العربية والثاني باللغة الإنجليزية"، لرصد كل ما هو جديد من البحوث والدراسات العلمية ذات العلاقة بمكافحة سوسة النخيل الحمراء.
يقول المهندس أنور حداد رئيس جمعية التمور الاردنية: تعتبر السوسة من التهديدات الكبيرة التي تهدد قطاع النخيل ليس بمصر فقط وإنما بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تلك الآفة التي تعمل في صمت داخل النخلة وتظهر متأخرة جدا بعد أن تدمر الشجرة الي حد ما.
وأضاف حداد : دخلت السوسة إلي الاردن عام 1999 من خلال هدايا فسائل نخيل وصلت إلي الاردن من دول صديقة، مصابة تلك الفسائل بالسوسة ومنذ ذلك الحين وهي تنتشر بعدة مناطق منها منطقة الأزرق على نطاق واسع والاغوار الشمالية والآن امتدت منتصف وجنوب وادي الأردن ولكن بنسب مختلفة في شدة الاصابة من منطقة إلى أخرى وتقدر نسبة الاصابة بالاردن 5% وهذه نسبة منخفضة مقارنة بشدة الاصابة فى مصر وبعض الدول الاخري.. مشيرا الي أن المشكلة الكبري هى الكشف المبكر عن السوسة ومع التطور في الأبحاث العلمية والتقنيات الحديثة والاستشعار عن بعد و الاشعة تحت الحمراء أصبحنا نستطيع الكشف المبكر عن الاصابة، ثم تأتي المكافحة التي تكون أسهل، ولكن لايتم ذلك إلا بتعاون المزارع واقناعه بخطورة السوسة ولكن للاسف المزارع يكابر ومع مرور الوقت يكتشف أن السوسة انتشرت بالمزرعة وبالتالي لابد من تعاون المزارع مع الحكومة مع شركات مدخلات الإنتاج وشركات المعنية بالمكافحة.. مشيرا إلي وجود تقنية حديثة لاحدي الشركات عن طريق الحقن المجهري وهذا الحقن يحمى الشجرة لمدة سنة كاملة من الاصابة فضلا عن وجود مسح شامل للنخيل للكشف المبكر عن السوسة.
تابع حداد قائلا: تم اعتماد خطة وطنيةپشاملة بالأردن بالتعاون مع وزارة الزراعة المصرية وجمعية التمور الاردنية وتشمل الحجر الزراعي وإجراءات خلع الفسائل وانتقالها من بين البساتين وضمان خلوها من الإصابات، وبالفعل بدأنا العمل بها مطلع 2024 وعلي أن تستمر الحملة لمدة ثلاث سنوات حيث يوجد بالاردن حوالي مليون شجرة أما في مصر حوالي 16 مليوناً.
قال الدكتور عز الدين العباسي مدير المعمل المركزي للنخيل التابع لمركز البحوث الزراعية: لكي نقضي على سوسة النخيل فى مصر لابد من تعاون المزارعين واهتمامهم بنظافة وتقليم النخيل واتباع التعليمات الارشادية لمكافحة السوسة، لاسيما وأن اكتشاف المزارع بأن شجرة النخيل ظهر بها افرازت بنية اللون ذات رائحة كريهة تصبح النخلة مصابة وهنا نكتشف المشكلة ومعالجتها بالمبيدات والحاقانات المتوفرة بالإدارات الزراعية بالمحافظات بنصف الثمن للمزارعين.
أضاف: تمتلك مصر 22 مليون نخلة منها 16 مليوناً مثمرة وتعد من كبري الدول المنتجة للتمور علي مستوي العالم و بالتالي وضعت الدولة خطة بها أكثر من اتجاه وهي المناطق المعزولة في الصحراء الغربية "واحة سيوة والواحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة" وهذه المناطق منعزلة نستطيع أن نكافح السوسة ونقضي عليها فى خلال ثلاث سنوات والتى تمثل تلك المناطق ثلث النخيل بمصر من 5 الي 6 مليون نخلة، اما محافظة أسوان "منطقة توشكي" فهي خالية تماما من سوسة النخيل ونحن نقوم بعمل سد مانع لمنع دخول فسائل النخيل تلك المنطقة بعد خضوعها الي الحجر نظرا لأنها أكبر مزرعة نخيل فى العالم و تم زراعة 1.8 مليون شجرة نخيل، ويضيف المشكلة التى تواجهنا هى عدم الاكتشاف المبكر للمزارع العشوائية على الترع والمصارف لعدم وجود الاهتمام بها من المزارعين وبالتالى تزداد بتلك المناطق الحشرات وسوسة النخيل.
أكد د. محمد كمال عبد اللطيف أستاذ بمعهد بحوث وقاية النباتات والخبير الوطني لسوسة النخيل بمنظمة "الفاو": هناك تجارب علمية أثبتت نجاحها فى مكافحه وهى عملية الحقن، بانواعها مختلفه ويري أن المشكلة تكمن فى عدم تطبيق طرق المكافحة لسوسة النخيل من قبل المزارعين وخصوصا الفحص بشكل دورى الا فى أوقات معينة فقط وقت التلقيح والخصاد وهذه مشكلة كبيرة تعانى منها معظم الدول، وعلى سبيل المثال يوجد بمصر 16 مليون نخلة كل 6 آلاف نخلة تحتاج الى فاحص وبالتالى نحتاج الى 4 آلاف شخص للفحص يعمل فقط على سوسة النخيل وهنا تكون التكلفة عالية جدا لا تستطيع الدول أن تتحملها، أو اى دوله والمشكلة الاخرى عملية الفحص الدورى والاجراءات الوقائية لنقل الفسائل خطأ مثل اجراء عملية التقليم والتكريب فى شهور الصيف يؤدى الى ارتفاع نسبة الإصابة بشكل كبير جدا فى ذلك التوقيت، ويرى أن التغيرات المناخية سوف يكون لها تأثير على نسبه الإصابة سوسة النخيل بناء على نتائج العام الماضى والحالى.
وأضاف كامل، هناك تطور كبير فى الأبحاث والدراسات العلمية والتجارب وتقدم ملحوظ فى طرق الاكتشاف المبكر للسوسة وبالتالى نستطيع أن نقوم بعملية الفحص التى تمثل 70 % بأقل التكلفة للمكافحة، فضلا عن طرق الاكتشاف من خلال الكلاب المدربة والتى جاءت بنتيجة جيدة فى مزرعة منتظمة وأيضا علي الفسائل بالحجر وتم تجربتها واستخدامها بالسعودية والامارات ومصر وجاءت بنتائج ايجابية وممتازة ولاسيما وأن خسائر النخلة الواحدة بعد اعدامها حوالى 30 ألف جنيه وفى ظل ارتفاع الأسعار وتكلفة المكافحة، مؤكدا على ما جاء من "منظمة الفاو" أن السوسة الحمراء تهدد باستثمارات فى قطاع النخيل 13 بليون دولار على مستوى المنطقة العربية المنتجة للنخيل.
وقال: قمنا بعمل تجارب بمزارع الواحات البحرية بتجريب 6 مصائد وكذلك تجربه مادة الجذب والقتل وهذه التجربة للمرة الثانية يتم تجربتها على مستوى العالم وجاءت النتائج جيدة، فضلا عن أنه للمرة الاولي على مستوى العالم يتم تطبيق مدارس المزارعين الحقلية لموسم كامل كانت مصر رائدة فى تنفيذ هذة المدارس والتى حققت نجاح كبير، مؤكدا الى أن التغيرات المناخية سوف يكون لها تأثير على نسب الاصابه سوسة النخيل بناء على نتائج العام الحالى والماضى ونظراً لانه تنشط فى فصل الصيف وتقل فترة البرودة لافتاً إلى أنه حتى الآن لا يوجد حصر دقيق فى مصر بعدد النخيل المصاب او اى دوله بسبب نقص العاملين.
قال محمد أكنيته مدير مختبر الأمراض والتقنيات الحيوية للنخيل بوزارة الزراعة بموريتانيا: تمتلك موريتانيا أزيد من 2.600 مليون نخلة، موزعة على نحو 200 واحة في عدة ولايات، ومنذ عام 2016 وتم اكتشاف سوسة النخيل واستطعنا أن نقضى عليها فى عام واحد باستخدام التقنيات الحديثة و الابحاث العلمية، وتمثل تلك الحشرة خطورة كبيرة على النخيل لكونها تبيض الحشرة الواحدة حوالى 400 بيضة وتزيد من انتشارها من حقل لآخر، وبالتالى وضعت وزارة الزراعة بموريتانيا خطة لمكافحتها وكان العامل الاساسى هو تعاون المزارع ومعرفته بخطورتها وتوعية ومزيد من الجهود وتطبيق التوجيهات.
وقال: قمنا بمكافحة السوسة من خلال الاستعانة بالأبحاث العلمية والتجارب الناجحة وتوعية المزارعين بالاكتشاف المبكر للسوسة ثم قمنا بعمل جمعيات من المزارعين يقومون بأنفسهم بالاستكشاف عن السوسة مع عدد من الفنيين وإخراج النخيل المصاب والقضاء عليه نهائيا حيث تم اكتشاف السوسة فى منطقة تبعد عن العاصمة 600 متر قمنا بعمل حجر بالمنطقة بمنع دخول أو خروج آى فسائل وتم القضاء الكلي للنخيل المصاب، التى وصل الى 105 نخلة وتم علاج 65 ألف نخلة بالمنطقة المصابة ووقايتها.
قال الدكتور ثائر ياسين : مدير البرنامج الإقليمي لاستئصال سوسة النخيل الحمراء، فى المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" نتائج ما تم تحقيقه من البرنامج.. مشيرا إلى ان منظمة "الفاو" قامت بجهود مميزة ونحن فخورون بهذه النتائج خلال أقل من عامين فى حياة هذا المشروع و بموارد مالية أقل من سدس 1/6پمن الموارد المرصودة لتنفيذ الهدف "كانت 20 مليون دولار، فى حين وصل المبلغ الذي تم دفعه إلى 3.1 مليون دولار أمريكى" بينما كان من المفترض أن تكون فترة المشروع خمسة سنوات، عند انتهاء المشروع في شهر أكتوبر 2024.
وأضاف: إلى أن نتائج الدراسات الاجتماعية والاقتصادية للمشروع أوضحت أن التكلفة السنوية لبرنامج مكافحة السوسة في مصر تزيد عن 5.7 مليون دولار وفى المملكة العربية السعودية تزيد على 34.4 مليون دولار، ما يعنى أن الدول المنتجة للتمور تتكبد خسائر فادحة فى المحصول والمكافحة بالطرق التقليدية، ما يعن أهمية مد جسور التعاون الإقليمى بين الدول المنتجة للتمور للقضاء على هذه الآفة الخطيرة، وقد حقق البرنامج عدد من الأهداف أبرزها: على صعيد السياسات تمت مراجعة وتعديل برامج مكافحة السوسة فى معظم دول المنطقة "الأردن، سوريا، العراق، مصر، الإمارات، السعودية، الكويت، وتونس".
استعرض اللواء مهندس أمجد المغربى رئيس التنفيذى لشركة المعارف الطبية للبحوث والخدمات التابعة للقوات المسلحة جهاز "RW-FAST" للكشف المبكر لسوسة النخيل وهو جهاز سهل الاستخدام يسجل الاشارة الحيوية الرنينية "RBS" لسوسة النخيل كبصمة جزيئية مما يتيح اكتشاف السوسة بدقة وحساسية وتكون النتيجة لحظية فضلا عن أنه جهاز محمول صغير يستطيع حمله بكل سهولة كما أنه يعمل بالاحساس يستطيع كشف النخلة المصابة إذا كان بداخلها بويضة واحدة فقط. مؤكداً إلي ان الشركة تعمل على هذا الجهاز منذ 13 عاماً منذ حصوله على جائزة خليفة الدولية.
وأوضح: تم عمل عدة تجارب بالجهاز بالتعاون مع وزارة الزراعة على أكثر من مزرعة وتم اعتماده من الوزارة ومع إحدى الشركات الاماراتية وبالفعل حقق نتائج ايجابية في الكشف عن السوسة.
وحول تكلفة الجهاز وحصول المزارع عليه قال: بالفعل تكلفة الجهاز عالية وكثير من المزارعين لن يتمكنوا من شرائه وبالتالى هناك تسهيلات مع الجهات المعنية بالتعاون مع البنوك عن طريق امكانية شراء المزارع على الجهاز بالتقسيط عن طريق البنك.
اترك تعليق