نعم عزيزي القارئ العنوان صحيح! وصحيح أيضاً ما تفكر فيه. إنه "وحيد حامد" الكاتب والسيناريست الكبير ـ الذي تحلّ ذكري رحيله الثالثة غداً ـ صاحب أشهر الأعمال الدرامية في الإذاعة والتليفزيون والسينما .. وهي المجالات التي كنت تتوقع أن رسالة الدكتوراه عنها. ولكن الحقيقة أن الدكتوراه المذكورة عن مسرحيات وحيد حامد المجهولة..
وعنوان الرسالة المسجل هو "التوظيف الدرامي للكوميديا الساخرة في مسرح وحيد حامد" باسم الباحثة "أسماء قورة" المدرس المساعد بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية "محل ميلاد وحيد حامد وموطنه"، وتم تسجيل الموضوع منذ أيام قليلة تحت إشراف الدكتورة "شيماء فتحي" وإشرافي أيضاً بوصفي مشرفاً مشاركاً من الخارج!! والسؤال الذي يدور في ذهنك الآن هو: هل وحيد حامد كتب مسرحيات؟ ولو كتبها أين هي؟ وهل تستحق أن يُكتب عنها رسالة "دكتوراه"؟! هذه الأسئلة. وأكثر منها، ستجد إجابتها فيما يلي:
تبدأ القصة عام 1995 عندما حصلت علي "شوال الرقابة" - وتفاصيله معروفة. وهو شوال "دشت" من الرقابة المسرحية كان المفروض أن يتم التخلص منه، فحصلت عليه لأجد فيه مجموعة نصوص مسرحية مخطوطة؟ مكتوبة بالآلة الكاتبة - مع بعض التقارير الرقابية، نجحت في الاستفادة منها في إصدار كتابي "الرقابة والمسرح المرفوض" الذي أصدرته هيئة الكتاب عام 1997، ليكون أول كتاب في العالم كله يتم نشر تقارير الرقباء المسرحيين فيه، وكل عدة أعوام أعود إلي هذا "الشوال" لأجد الجديد فيه، وكأنه "مغارة علي بابا"!! وبعد أن بلغت الستين منذ عامين وأنا أدعو الله عز وجل أن يطيل عمري "200 سنة فقط" حتي أنشر كل المشاريع التي خططت لها، وبالأخص مشاريع "الشوال أو المغارة"، كوني الوحيد ـ حتي الآن ـ الذي يعرف قيمة هذه المشاريع! ولأنني أعلم أن العمر قصير مهما طال، فكّرت في إعطاء بعض المشاريع إلي الباحثين الجادين ممن أتوسم فيهم الصبر والجلد والجرأة في البحث العلمي، ليكونوا امتداداً لي ولمدرستي في البحث الأكاديمي.
في أبريل الماضي ناقشت رسالة دكتوراه في كلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق للطالبة "أسماء ناصر عبد الحليم محمد" عنوانها "المعالجة الدرامية للشخصيات ذات البعد النفسي في نصوص المسرح المصري، دراسة تحليلية لنماذج مختارة" في هذا اليوم وجدت الدكتورة شيماء فتحي تشتكي من مدرسة مساعدة بالكلية اسمها "أسماء قورة"، لأنها لم تسجل موضوعاً للدكتوراه طوال عام كامل بحجة البحث عن موضوع يستحق، وترفض أغلب العناوين المطروحة عليها! فشعرت بالفضول تجاه هذه الباحثة وجلست معها وقرأت أفكارها، وقلت في نفسي هذه الباحثة جادة وصبورة. لذلك تستحق أن أعطيها أحد مشاريعي، وبدأت في حثها للبحث عن مسرحيات وحيد حامد، فغابت عني شهراً وقالت إنها بحثت ولم تجد في المواقع الإلكترونية إلا عناوين قليلة ولم تجد أي نص مسرحي له!! قلت لها هذا كان مشروعاً من مشاريعي، ولكني قررت توزيع مشاريعي المستقبلية علي مجموعة من الباحثين الجادين وأنت منهم! ثم أعطيتها صورة لسبعة نصوص مسرحية مخطوطة ـ مكتوبة بالآلة الكاتبة ـ لوحيد حامد كانت ضمن نصوص الرقابة في "الشوال/المغارة"، لتبدأ في قراءتها وكتابة خطتها البحثية. وهذه تفاصيل النصوص:
النص الأول "أحزان الفتي المسافر" كتبه وحيد حامد في يناير 1973. وقام بتعديله ليتناسب مع حرب أكتوبر وقدمه باسم "أحلام الفتي المسافر" من إخراج نبيل الألفي، ولا أظن أن التمثيل تم!! والنص الثاني "حالة انعدام وزن" وكان من المقرر عرضه لصالح المسرح الحديث، ولكن الرقابة طالبت المؤلف ببعض التعديلات التي قام بها، ورغم ذلك تم رفض النص!! والثالث مسرحية "كباريه" عام 1974، وكُتب علي غلافها: "فرقة الفنانين المتحدين سمير خفاجي .. كوميديا موسيقية استعراضية تأليف وحيد حامد. إخراج جلال الشرقاوي، موسيقي وألحان على إسماعيل، أشعار كمال عمار، ديكور نهي برادة، ملابس أنسي إلياس"، وتم العرض بالفعل وقام ببطولته سعيد صالح ونيللي، والنص الرابع "يا عالم نفسي أتسجن" 1975، لصالح فرقة أمين الهنيدي من إخراج السيد بدير، والنص الخامس "سهرة في بار الأحلام" 1979. من إخراج محمد همام. مثلته فرقة شركة مصر للغزل والنسيج، والنص السادس "سبعة تحت الشجرة" 1983، من إخراج حلمي شفيق، والنص السابع "آه يا بلد" 1986، لصالح شركة السكر والتقطير المصرية مصانع إدفو. إخراج محمد فوزي عبد الوهاب.
من خلال هذه النصوص ـ ونصوص أخري ـ كتبت الباحثة "أسماء محمد علي سليمان" - الشهيرة بأسماء قورة - خطة رسالتها للدكتوراه تحت عنوان "التوظيف الدرامي للكوميديا الساخرة في مسرح وحيد حامد" تحت إشراف الدكتورة "شيماء فتحي" وإشرافي أيضاً، وتقدمت بها للتسجيل في برنامج فنون المسرح بقسم العلوم الاجتماعية والإعلام بكلية التربية النوعية جامعة الزقازيق، وقالت الباحثة في مقدمة خطتها: "انتهج وحيد حامد فى العديد من كتاباته المسرحية القضايا ذات البُعد الاجتماعي السياسي، مبطناً إياها بأفكار توعوية هادفة كالذي عرف عنه في كتاباته السينمائية والتلفزيونية، حيث اعتاد على ترجمة أفكاره السياسية والاجتماعية إلى كتاباته المسرحية، فهو دائمًا ما يقدم هموم ومشاكل المواطن به، فقد عمل على تجسيد أفكاره ومبادئه فى المجتمع والحياة فى شكل مسرحيات، فهو من المؤلفين الذين لديهم رؤية واضحة، ورأي نافذ في شئون المجتمع المصري، فتتميز مسرحياته بالخلو من الابتذال، ويتوفر فيها الجو الصحي الذي ينطلق فيه النقد الجاد البناء".
كما كتبت عن "مشكلة الدراسة"، قائلة: تتمثل المشكلة فى "السؤال الرئيس التالي: كيف وظف وحيد حامد الكوميديا الساخرة بشكل درامي في مسرحه؟ ويتفرع من هذا السؤال عدة أسئلة، منها: ما السمات العامة لأسلوب وحيد حامد الذى استخدمه فى معالجة مادته المسرحية؟ وما الأساليب الفنية المستخدمة فى رسم الأحداث والحوار في النصوص محل الدراسة؟ وما مضمون الخطاب المسرحي فى نصوص وحيد حامد؟ وما أهم القضايا السياسية التي عالجها وحيد حامد في مسرحياته؟ وما الدور الذي يلعبه عنوان المسرحية فى إنتاج المعنى؟ وما هى طبيعة العلاقة بين المسرح والأيديولوجيا وأيهما أكثر تأثيراً وتأثراً بالآخر؟ وكيف وظف وحيد حامد السخرية فى نصوصه؟ وهل يحمل النص المسرحى أيديولوجيا كامنة خاصة بالمؤلف؟ وهل عمد في بعض الأحيان إلى تسريب أفكاره بين سطور النص؟ وإلى أى مدى أثرت الرقابة في مسرح وحيد حامد؟".
وقالت الباحثة عن "أهمية الدراسة" : "جاءت معظم نصوص وحيد حامد لتعرض للمتلقي القارئ المتفرج صورة تعلن وتصرح بنقد بعض هذه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ونقد سلوك الأفراد داخل المجتمع المصري بشكل خاص فى هذه الحقبة الزمنية، واستخدام الكاتب المسرحي للتقنية الكوميدية يجعل منها عملاً إبداعياً خاصـاً به. لإنتاج دلالات خاصة، تحوي بين ثناياها رسالة للمتلقي فى صورة فنية مسرحية قد تختلف عن رؤية هذا المتلقي للواقع الاجتماعي والسياسي والفكري، أو قد تجعل هذا المتلقي يعيد النظر فى رؤيته الخاصة لهذا الواقع المعاش، وأحياناً أخري تؤكد للمتلقي علي بعض جوانب واقعه المعاش من خلال إبرازها بشكل ساخر، كما تتمثل أهمية هذه الدراسة في شقين نظري وتطبيقي: "الأهمية النظرية" تتمثل في كونها دراسة جديدة فى مجال الأدب المسرحي والدراسات الأدبية النقدية، مع ندرة الدراسات المتعلقة بأعمال وحيد حامد المسرحية، وقد تؤدى نتائج الدراسة إلى إعادة النظر فى توجيه كُتّاب المسرح إلى الاهتمام بأعمال وحيد حامد. أما "الأهمية التطبيقية" فتتمثل فى دراسة التوظيف الدرامى للكوميديا الساخرة فى نصوص مسرح وحيد حامد. وهي دراسة جديدة فى مجال الأدب النقدى، هذا بالإضافة إلى تحليل تقنية الكتابة في نصوص وحيد حامد، وإلقاء الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية فى نصوص عينة الدراسة، ورصد الفضاء الزماني والمكانى فيها، النصوص عينة الدراسة".
وحددت الباحثة "أهداف دراستها" فى: الوقوف على الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية وانعكاسها علي الأسلوب الدرامى الذى تناوله وحيد حامد في تقديم مسرحياته من حيث الشكل والمضمون، والتعرف على لغة الخطاب في نصوص وحيد حامد، هذا بالإضافة إلى الكشف عن أساليب الكوميديا الساخرة. وتحديد جماليات اللغة فى المسرحيات عينة الدراسة".
وأخيراً أقول: كم من باحث جاد؟ مثل أسماء قورة - سيكون له نصيب فى موضوع مبتكر آخر لم يكتب فيه أحد من قبل، ويكون امتداداً لمدرسة "جبرتي المسرح العربي"؟!
اترك تعليق