في سورة الكهف وفي مفتتح السورة ثمة مشهد لخراب عام وموات قاطع لابد أن يعتري الأرض كلها في نهاية الزمان، رغم كل الزينة ستصير هذه الأرض صعيدا جرزا {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} تلك حقيقة لا تقبل الشك لابد أن تكون منها على بال فلا تغفل عنها أبدا
في القصة الأولى والمحورية في السورة، يأوي الفتية المؤمنون إلى الكهف فرارا بدينهم، كانوا يختارون أدنى درجات الحياة مع الإيمان بدلا من أعلى درجاتها مع الكفر، لكن المفاجأة أنهم ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، تجمدت حياتهم في كهف موحش طوال أكثر من ثلاثة قرون، والمشهد الذي يصف حالهم داخل الكهف مشهد مرعب فيه الحياة ملتبسة بالموت ومترددة بين اليقظة والنوم {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}
عقب قصة صاحب الجنتين يضرب مثل للحياة الدنيا يوضح حقيقتها فتجد أن كل الحياة الممتليء بها ماء السماء ونبات الأرض تتحول بغتة إلى هشيم تذروه الرياح {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}
قبل قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح مباشرة تذكير بهلاك القرى الظالمة، وفي أثناء قصتهما سفينة للمساكين تُخرق وغلام لأبوين مؤمنين يُقتل وجدار في قرية لئيمة يُقام، ثم يأتي التأويل {رحمة من ربك}
في ختام قصة ذي القرنين كذلك نرى مشهد السد الذي بناه وقد جُعل في آخر الزمان دكاء، ليكون علامة على اضطراب عظيم وفساد في الأرض وخراب.
وهكذا نجد عبر سورة الكهف وحدها ترسيخ لأهم الحقائق والمشاهد المتعلقة بالحياة والموت وبداية الخلق ونهايته، فمصير الحياة كلها إلى زوال ونهاية الأرض كلها الخواء، والهلاك عقاب إلهي للظالمين، لكن في نفس الوقت في مصائب المؤمنين رحمة بهم وخير ولو لم يظهر لهم ذلك، فربما من جمود الحياة زمانا طويلا ينبعث الإيمان نقيا من الفتنة، وربما بسبب تخريب السفينة تحصل لها النجاة، وربما من قتل الحياة نفسها تنبت حياة أخرى خير زكاة وأقرب رحما، وربما بناء الظالمين المقام تطاولا عليك هو في الحقيقة غطاء يستر كنزك المدخر لك، وحتى السد الذي يُدكُّ ليخرج منه أفسد الخلق وأكثرهم شرا ودناءة يعقبه فصل تام وتمييز بين الخبيث والطيب حيث النعيم الخالد للمؤمنين والعذاب الخالد للكافرين
إن المؤمن الذي يقرأ سورة الكهف كل جمعة مستحضرا لهذه الحقائق معايشا لهذه المشاهد واقفا على مبدأ الأمر ومنتهاه، يجد نفسه صابرا على طول البلاء وإحاطة الموت وكثرة الدمار مهما طال الزمن، قد تجاوز مرارة السؤال ولوعة الدهشة في: {أنى يُحيي هذه الله بعد موتها} ليردد في يقين: {أعلم أن الله على كل شيء قدير}
اترك تعليق