اصطفي الله سبحانه وتعالي الرسل والأنبياء وميزهم علي العالمين بجزيل عطائه وعظيم فضله حتي يبلغوا رسالته وجعلهم قدوة للبشرية يسيرون علي هديهم ويقتدون بمنهجهم القويم.
ومن هدي الأنبياء: الوسطية التي هي من أبرز ملامح العقيدة الإسلامية. إذْ هي موافِقةى للحق. ومؤيَّدةى بالحقِّ.
وهي مناسِبة للفطرة. لا إفراط فيها ولا تفريط. فالعقيدة الإسلامية متوسطة بين إفراط النصاري وتفريط اليهود.
وبين غلوِّ النصاري في المسيح وتطرفِّ اليهود في عصيان أنبيائهم. وتنطعِهم في السؤال والجدال. وتتجلَّي وسطية الأمة المحمدية في نواحي شتي من مسائل الاعتقاد. وقد رَكَّزْتُ علي عنصرين فقط من عناصرها. وهما:
الأوَّل: الوسطية في الإيمان فالنبي صلي الله عليه وسلم وأتباعه يؤمنون بجميع الرسل والكتب المنزلة. كما أخبر الله تعالي عنهم في كتابه العزيز.. والثَّاني: الوسطية في النبوة فالمؤمنون المنتسبون لهذه الأمة المحمدية يؤمنون برسل الله جميعِهم. ويُعزِّرونهم ويُوقِّرونهم. ويُحبُّونهم ويُوالونهم. ولم يعبدوهم من دون الله. ولم يتَّخذوهم أرباباً من دون الله تعالي. فهم بذلك وسط في جانب النبوة بين إفراط اليهود وتفريط النصاري.
وقد جعل اللهُ هذه الأُمَّةَ هي الأُمة الوسط في جميع أبواب الدِّين. فإذا انحرف غيرُها من الأمم إلي أحد الطرفين كانت هي في الوسط. كما كانت وسطاً في باب أسماء الربِّ تعالي وصفاته بين الجهمية والمُعطلة والمُشبهة المُمثلة. وكانت وسطاً في باب الإيمان بالرُّسل بين مَنْ عَبَدَهم. وأشْرَكهم بالله. كالنصاري. وبين مَنْ قَتَلَهم.
وكذَّبهم. فآمَنوا بهم وصَدَّقوهم وتركوهم من العبودية. وكانت وسطاً في القدر بين الجبرية.. وبين القدرية.. وكذلك هم وسطى في المطاعم والمشارب بين اليهود. الذين حُرِّمَت عليهم الطيبات عقوبةً لهم. وبين النصاري. الذين يستحِلُّون الخبائث.. فأحل الله لهذه الأمة الوسط الطيبات وحرم عليهم الخبائث.. وكذلك لا تجدُ أهلَ الحقِّ دائماً إلاَّ وسطاً بين طَرَفي الباطل. وأهلُ السُّنة وسطى في النِّحل. كما أنَّ المسلمين وسطى في الملل.
كذلك من أبرز سمات الشريعة الإسلامية الوسطية في العبادات والطاعات. فالمتأمل في النصوص - قوليةً وفعلية - يلحظ أنها مليئة بالمنهج الوسط وذلك في نواحي شتَّي.پومن أهمها الوسطية والاعتدال في أداء وتطبيق وأماكن العبادات.. وأيضا توسطت الشريعة الإسلامية في شأن المعاملات. سواء كانت عقوداً مالية أو أنكحة. أو أحكاماً وقضية. أو غيرها مما يتعامل فيه الناس مع بعضهم البعض.
وهذه الوسطية في التشريعات وكافَّة المعاملات كانت من أهمِّ أسباب التيسير والتسهيل علي الناس أمورَ حياتهم ومعيشتِهم بما يُحقِّق لهم استقراراً نفسيًّا وتوازناً روحيًّا. جعل المسلمين أكثر تمسُّكاً بدينهم وعقيدتهم من غيرهم.
والواقعُ يشهد بذلك. والفرق واضحاً. بين تمسُّك المسلمين بدينهم. عقيدةً وعبادةً ومعاملةً وبين غيرهم الذين فرَّطوا في عقيدتهم. وتركوا عباداتهم. وتخلَّوا عن التعامل بمقتضي دينهم. وليس مَرْجِعُ ذلك إلاَّ إلي تلك الوسطية التي اتَّسمت بها الشريعة الإسلامية.
اترك تعليق