هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

شرح بلاغات النساء لابن طيفور للدكتورة نهلة الصعيدي

محاضرة للأستاذة الدكتور نهلة الصعيدي مستشار فضيلة الإمام الأكبر لشئون الوافدين، والتي تشرح خلالها كتاب "بلاغات النساء" لابن طيفور حيث كتاب قال عنه صاحبه:"هذا كتاب بلاغات النساء وجواباتهن وطرائف كلامهن وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن على حسب ما بلغته الطاقة واقتضته الرواية واقتصرت عليه النهاية مع ما جمعنا من أشعارهن في كل فن مما وجدناه يجاوز كثيراً من بلاغات الرجال المحسنين والشعراء المختارين وبالله ثقتنا وعليه توكلنا".


كتاب جاء كما أراد له صاحبه وكما حدد له وخطط فجاء جامعاً لما تيسر له من بلاغات النساء شعراً ونثراً في الطرائف والملح والنوادر والجوابات والأخبار والحكايات والقصص. ولا شك أن المتأمل في هذا الكتاب بجد أنه أمام كتاب يكشف لنا عن "ظاهرة في التأليف العربي المبكر لها قيمتها وخطرها، ونعني بذلك ظاهرة التخصص، فهذا الجزء من مؤلف ابن طيفور يتعلق ببلاغة المرأة وأخبارها، وليس فيه من شيء يتعلق بالرجال إلا إذا كان مرتبطًا بالمرأة صاحبة الخبر أو النادرة أو النص الأدبي، ومن ثم يكون العرب قد عرفوا التخصص الباكر حينما بدأوا يرفدون المكتبة العربية النافع من فيض عقولهم وعطاء قرائحهم." 

وهذا ما يميزه عن غيره مما كتب عن النساء فلم يقتصر على الشعر دون النثر ولا على النثر دون الشعر ولم يقتصر على فئة معينة من النساء فجاءت فيه أمهات المؤمنين مع زوجات الخلفاء والأمراء مع الزاهدات والمتعبدات مع الجواري والقيان، ولم يقتصر على جانب واحد من حياة النساء، ولا على فن واحد؛ فجاء فيه أخبارهن مع حكاياتهن مع أدبهن.


ويبدو أن هذا التنوع الذي في الكتاب سمة أصيلة في شخصية ابن طيفور فجاء كتابه متنوعاً، وجاءت مصنفاته العديدة والتي تربو على خمسين مؤلفاً تعكس هذا التنوع، وتعكس اهتمامات الرجل ومجالات تأليفه، وأنه كان أديباً شاعراً، وناثراً مؤرخاً، ومصنفاً وناقداً وراوية وإخبارياً، كان واسع الثقافة واسع الاطلاع متعدد الجوانب قال فيه الخطيب البغدادي:" كان أحد البلغاء الشعراء الرواة ومن أهل الفهم المذكورين بالعلم." 
وقال عنه ابن المعتز: "وله غير كتاب معمول في فنون من الأدب والأخبار والأيام وقد بلغ الشرق والغرب إنه مُؤلَّف له مكانته بين أعلام القرن الثالث الهجري.


وإن كتابه بلاغات النساء سفر نفيس من الأسفار التي وصلتنا من أخبار النساء وآدابهن، وأدبهن وهو أدب له سماته المتفردة وطوابعه المخصوصة وأسلوبه المتميز ومجالاته المتعددة؛ فالكتاب فيه حديث عن مواقفهن السياسية والاجتماعية وفيه حديث النصيحة، وحديث الحب والشوق، وحديث مدح الزوج وذمه، فيه عدم استكانة المرأة للظلم، وجرأتها على قول الحق، ووعيها البالغ في كل مواقف الحياة، وقيادتها مسيرة الفكر والثقافة.


كتاب بلاغات النساء هو الجزء الحادي عشر من موسوعة كبيرة ألفها ابن طيفور وسماها (المنثور والمنظوم)، وهو كتاب فريد يجد فيه القارئ متعة وتسلية وحكمة وبلاغة، ويظهر ما كانت تتمتع به المرأة العربية في ذلك الوقت من بلاغة وفصاحة وقدرة على الحجاج ورجاحة عقل وحضور بديهة، ويبرز ما تتمتع به المرأة من مشاركة بارزة في الإنتاج الأدبي عبر العصور، تلك المشاركة التي هي ثمرة وعي حضاري. 


   ولا شك أنه ينبغي أن ينفتح حقل دراسات المرأة العربية أمام البحث الأكاديمي، ولا بد أن يتحلى الباحثون في هذا المجال بالمثابرة والاجتهاد؛ ليكون عندنا إنتاجاً متحرراً من القوالب الجاهزة التي نضع فيها المرأة، إنتاجاً متحرراً من التحيز أو الهجوم، والمفاهيم النسوية التغريبية التي تشوه صورة المرأة، وتبعدها عن الصورة الحقيقية، أو النموذج الأمثل الذي ينبغي أن تكون عليه المرأة.


  إنتاجاً متكاملاً يربط الحاضر بالماضي ويكشف كشفاً حقيقياً عن مكانة المرأة ودورها عبر التاريخ بالرجوع إلى الأصول الصافية للدين وذلك مشروع فكري نهضوي للأمة.


والكتاب فيه شخصيات مشهورة لها ذكر في المصادر الأدبية، كالخنساء، وليلى الأخيلية، وسكينة بنت الحسين، وجَمعة بنت الخس، وهند بنت الخي، ونائلة بنت الفرافصة، وفيه أيضاً شخصيات مجهولة لم يأت لها ذكر في كتب الأدب.

  
والكتاب رغم أنه مختص ببلاغة النساء إلا أنه جاء فيه شعر لعدد كبير من الرجال، مثل: الفرزدق والأعشى وابن ميادة وجرير وجميل بثينة وغيرهم ممن سماهم باسمهم وممن لم يسمه ويكتفي بقوله: قال أعرابي. 


ومما ورد في الكتاب من أقوال النساء وصفهن لأنفسهن قال الأصمعي: كان أعرابي عنده أربع نسوة كندية وغسانية وشيبانية وغنوية والأعرابي غساني وكن متظاهرات على الغنوية فجمع بينهن حتى تشاتمن ثم قال لهن لتقل كل واحدة منكن قولا تصف به نفسها فقالت الكندية:
كأني جنى النحل والزنجبيل * وصفو المدامة والسلسبيل
يزين سنا الوجه لي مبسم * كمثل اللآلئ وعين كحيل
وقالت الغسانية:
براني إلهي إله السماء * نصفا قضيبا ونصفا كثيبا
وألبسني ما يسوء الحسود * جمالا وملحا وحسنا عجيبا
وقالت الشيبانية:
أفوق النساء إذا ما اجتمعن * كبدر السماء نجوم الدجى
ويقصر عني جميع الصفات * فمن نالني نال فوق المنى
وقالت الغنوية:
تزود بعينك من بهجتي * فقد خلق الله مني الجمالا
إذا ما تفرست في رؤيتي * رأيت هلالا وأحوى غزالا

إنها البلاغة في الوصف والفصاحة في القول والقدرة على التزام جميعهن ببحر واحد بحر المتقارب، ويتجلى فن الوصف في خبر أم معبد، وهي تصف بدقة النبي-صلّى الله عليه وسلّم- قائلة: "ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد".


 والكتاب زاخر بأقوال النساء شعراً ونثراً، وقد أفرد فيه ابن طيفور جزءاً لشعر النسيب والغزل، كما أفرد فيه فصلاً عن مواجن النساء، ونوادرهن وجواباتهن. 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق