تحتفظ الذاكرة الفنية بصون وإعزاز بعدد من الأعمال التي تسجل بطولات الشهداء الذين قدموا أعز ما يملكون وضحوا بحياتهم فداء لتراب الوطن، فالفن ذاكرة الأوطان وتسجيل بطولات الشهداء بمثابة رسالة أساسية لم تغب يوما عن أدائها لما تمثله تلك الأعمال من أهمية في غرس معاني الوطنية والانتماء في النفوس وتنقل للأجيال المتوالية كيف كانت تضحيات الشهداء سببا رئيسيا في تسلمهم راية الوطن آمنة مطمئنة،
ولكن هل ما قدمه الفن من أعمال يعد كافيا، أم أننا بحاجة لمزيد من الأعمال لاسيما مع نجاح الأعمال الوطنية الأخيرة جماهيريا وعلي رأسها الممر والاختيار.
ما زالت تقدم محاولات جيدة، لكن الجمهور في حاجة لعروض مرئية لأن الدراما المرئية سواء تليفزيونية أو سينمائية قريبة للجمهور أكثر وتقديم أعمال الشهداء في الدراما التليفزيونية تزرع الانتماء والوطنية والرجولة والاخلاص والأمن القومي في نفوس الشباب والأطفال لأننا أصبحنا نفتقد هذه القيم في ظل الانفتاح وفي ظل تنوع وسائل التكنولوجيا والألعاب المستحدثة مثل الببجي وغيرها، والأمور المدمرة ومشاهد العنف والقتل والدم والحروب، فقد أصبحت محاولات هدم الرموز الوطنية والدينية عندما بدأوا يشككون في صلاح الدين الأيوبي. وفي الأحاديث الشريفة والقرآن الكريم، وآخرها الشكوك. التي أثاروها مؤخراً ضد الشيخ الشعراوي رحمه الله، أتمني تقديم أعمال تليفزيونية وسينمائية مرئية كما تم تقديم أعمال عن الشهداء وأيضاً عن السير الذاتية سواء في التاريخ الاسلامي أو العربي أو القبطي المصري.
الدراما بصفة عامة هي ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبي، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنساني كما يعبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفي، ولذا فإنه من الأهمية والضرورة فكرة تجسيدها لدور "الشهيد" لدعم الحفاظ علي الأمن القومي والقيم الوطنية والإنسانية بصفة عامة وخصوصا بالنسبة للأجيال الصاعدة، فتاريخ بطولات شهداء الجيش المصريپأو الشرطة المصريه طويل وحافل بالقصص الانسانية والوطنية التي يجب أن تروي للأجيال، والدراما هي إحدي اهم أدوات القوة الناعمة، وقد جسدت بالفعل العديد من القصص المؤثرة للحياة الإنسانية والمهنية للعديد من الشهداء علي مر التاريخ .وقد نجح صناع العمل الدرامي في امتلاك أدواتهم الفنية في تجسيد دور الشهيد من حيث القصة والأداءپ والصورة، وبذلك قدموا رسالة قوية ساهمت في بناء الوعي المجتمعي وتشكيل المعرفة علي مر السنوات واتحدث هنا عن ما أنتجه قطاع الإنتاج في السابق، والشركة المتحدة في السنوات الاخيرة تحديدا، وهذا ما تصنعه الدراما الوطنية التي تحظي بأكبر نسب مشاهدة من مختلف الأجيال والطبقات في الشارع المصري.
طبعاً هناك أعمال في الدراما والسينما والمسرح تمجّد الشهيد دائما سواء كان في حرب أو أي كان، ممكن تكون أدوار الشهداء في السينما ليست كثيرة، مثلاً في فيلم ولاد العم دور كندة علوش كان شهيدة أو فدائية فلسطينية السينما تعاملت معها بتعاطف شديد جداً جداً، ومشهد خبر استشهادها كان صعب جداً وأبكي كل من في صالة العرض، لكن للأسف السينما لاتتطرق لموضوع الشهيد كثير حتي في الدراما قليلة وأهم الأعمال الحديثة مسلسل الاختيار بأجزائه الثلاثة، تعامل مع الشهيد بأنه قدوة ومثل أعلي ويحترم جداً ومجّد الشهداء بشكل كبير جداً، فالشهيد أرقي أنواع الانسانية لأنه يضحي بحياته سواء استشهد في معركة أو استشهد بغتة كمانري حالياً.
الشهيد كلمة ووصف عظيم جداً لمن ضحي بروحه في سبيل قضية مقدسة سواء كانت الأرض أو العرض أو المال هو الوصف الذي حدده الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه من قتل في ماله أو عرضه أو أرضه فهو شهيد، والسينما تناولت قضية الشهيد في العديد من الأعمال منها العمر لحظة والرصاصة لاتزال في جيبي والطريق الي ايلات والممر وهذه أفلام تناولت القتال وحرب أكتوبر وجاء في سياقها بعض القصص عن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم.لكن أعتقد ان أفضل من تحدث عن الشهيد وصوّره بشكل كبير جداً هو مسلسل الاختيار في جزئه الأول عندما قدم قصة الشهيد أحمد المنسي.لكن السينما والدراما المصرية مازالوا مقصرين جداً في عرض قصص الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، ونحن لدينا آلاف القصص التي تستحق أن تروي ويتم تصويرها بشكل سينمائي أو درامي بحلقات بسيطة حتي لو خمس أو عشر حلقات، وأعتقد ان السبب في ذلك، يرجع الي موضوع الاستسهال في صناعة الدراما في مصر ولأن هذه الأعمال تحتاج الي امكانيات وتكاليف كبيرة، أنا أتمني ان يستفيق العالم كله في صناعة الدراما والسينما ويقدمون قصص عظيمة فنحن أحوج مايكون لهذه الأعمال خاصة الأطفال والنشئ الصغير لتعزيز الانتماء والحب والتضحية في سبيل الوطن.
كرم الإسلام الشهيد وجعل له مكانة خاصة في الإسلام حتي أنه لا يُغسل ويظل طيب الرائحة دون عطر وتُحكي الكثير من القصص عن الشهداء وبطولتهم وفضلهم، وأذكر من شهداء مدينتي السويس أنهم قد كُتب اسمهم فوق مسجد الشهداء كما سُميت باسمهم حديقة الخالدين التي يوجد بها نصب تذكاري يخلدهم كما كان يوجد بها ثلاث دبابات أسرتم المقاومة الشعبية في أكتوبر 73، وقد خلدت السينما قصة أبطال مدينة السويس في عدة أعمال منها حكايات الغريب 1992 قصة جمال الغيطاني وبطولة محمود الجندي وشريف منير وأخرون وإخراج إنعام محمد علي، ويمجد الفيلم قيمة الشهيد من المفقودين ممن لا يعرفپ استشهادهم من عدمه من خلال شخصية عبد الرحمن أوكمال حيث يطرح الفيلم أسماء كثيرة له وكأنه ليس فقط موظف عربة الصحافة الذي فقدپ أثناء هجوم الإسرائيليين علي السويس وأدي الشخصية ببراعة الفنان الراحل محمود الجندي، وفي أحد مشاهد الفيلم والتي استعانت فيه المخرجة بمشاهد حقيقة لغارات العدو يبدو محمود الجندي الذي _علي عكس بقية الناس-لايسرع إلي المخبأ وقت الغارة ولكنه يطارد طائرات العدو ويرميها بالحصي هاتفا :- "هما دول اللي قتلوا أمل في بحر البقر "، وكأن أمل التي سقطت في مذبحة بحر البقر هي كل طفل وشهيد يستحق أن نأخذ بثأره مما ينعكس بشكل كبير على واقعنا الحالي من قتل وتشريد وتهجير أصحاب الأرض من الاحتلال.
أما عن الأفلام التي تناولت قيمة الشهيد عربيا فقد لفت نظري ونظر الكثيرين.. فيلم عمر المختار الفيلم العالمي من بطولة أنطوني كوين وفي نسخته العربية عبدالله غيث وقد أدي كل منمها دوره ببراعة منقطعة النظير في دور الشهيد البطل عمر المختار الذي قاوم مع رفاقه بامكانيات غاية في الضآلة الاحتلال الإيطالي، والفيلم من إنتاج1981 ومن إخراج المخرج العالمي مصطفي العقاد والذي سقط أيضا شهيدا في إحدي التفجيرات الإرهابية بالأردن الشقيق ليوضح لنا ذلك الخطرين اللذين يواجهوننا وهما الأعداء التاريخيون و الإرهابيون الجدد، من طيور الظلام . والفيلم ملئ بالمعارك الحربية وبالمشاهد الإنسانية المتفردة وقد استرعي انتباهي لمشهد يوضح نبل وقيمة الشهيد وهو مشهد اختيار شابة من أحضان ابنائها وأمها ليتم إعدامها /شنقها بكل وحشية وهي تشكر الله سبحانه وتعالي علي نعمة الحياة القصيرة التي خطفها الاحتلال الغربي الذي يتشدق بالحرية وتفضحه أعماله الوحشية كثيرا، وبعد فالمجد للشهداء وقد خلدتهم السينما فنعم البشر هم في وجه كل محتل غاصب.
طبعاً الفن رسالة وتوثيق لكل الأحداث والعصور وكل الأحداث التي مررنا بها، وبالنسبة للسينما فقد قدمت أعمال عديدة مثل ردّ قلبي وأبناء الصمت والرصاصة لاتزال في جيبي والطريق الي ايلات واسماعيلية رايح جاي وكل هذهپ أعمال رغم قلتها الا أنها تمجّد الشهيد وتخلّد دوره وتبرز انسانية وقيم أبناء الوطن وحرصهم علي أرضهم، فنري أن السينما وثّقت بأعمالها الكثير من التضحيات لكن تظل أعمال قليلة أمام ماعاشه المصريين والعرب عامة والقضية الفلسطينية، فقد وثّقت السينما في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وآخرهم كان فيلم الممر، أيضا الدراما قدّمت أعمال كثيرة لكن ليس بالقدر الكافي وكان أبرزهم الفترة الماضية مسلسل الاختيار، فنحن بحاجة لتقديم أعمال سينمائية اكثر عن دور الشهيد وحب الوطن وعن الانتماء للوطن ولتُأرخ الأحداث الكثيرة التي شهدها الوطن العربي والقيم الانسانية للجنود والمواطن والمفكرين والسياسيين الذي يعنيهم الأرض والوطن وحب البلد، لأن السينما تخاطب العالم كله، كما أننا في حاجة لأن نبرز هذا في الدراما لأنها تخاطب البيوت والأجيال الجديدة بشكل اكبر من السينما، فنحن بحاجة لأعمال لنصرة الدين ونصرة البلد ومقاومة أي شيئ ضد الحاجات السامية فانا أري أن الأعمال التي قُدّمت بهذا الشأن نجحت لذلك علينا أن نزودها حتي الأجيال الجديدة تري هذه البطولات لأن الاجيال الجديدة تغير انتمائتها وهناك انحراف للانتماء والتفكير وعدم توعية، وكان ناشد الرئيس أكثر من مرة بالتوعية واننا نخاطب الأجيال ونغير المفهوم ونوعي الناس فلازم يتعمل أعمال فنية كثيرة لأن الفن رسالة وتوثيق، فانا أناشد القائمين علي الانتاج وعلي الأعمال الفنية انهم يهتموا أكثر وهذه تؤكد علي النجاح لأننا بحاجة لأعمال تبث روح الوطنية فينا والانتماء والتضحية من أجل البلد مثل رأفت الهجان والرصاصة لاتزال في جيبي التي أثرت في وجدان جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات يجب وجود اعمال تؤثر بجيل الألفينات وتعرفهم معني الوطن والدين التمسك بالأرض والانسانيةپ والشهيد بأعمال فنية وموضوعات اجتماعية.
كيف لمثلي أن تنسي الشهيد.. نعم فأنا ابنة منطقة القناة من بورسعيد الأبية حيث شارك أبناؤها في حروب 48 في فلسطين وحرب اليمن التي كافحت وقاومت قي 1956 و1973، كيف أنسي موضوعات القراءة وشخصيات التاريخ التي درسناها مثل نبيل منصور وجول جمال ومحمد مهران من بورسعيد الذي اقتلع العدو عينيه ليري بهما ضابط منهم، كيف أنسي جدي الذي أسر في هزيمة 1967 ومن استشهدوا معه من شباب العائلة بعد تعرضهم للتعذيب، كيف أنسي الضابط محمد النجدي الذي عاد بأسيره مصمما أن يسلمه للقيادة ولكنه استشهد فداء للوطن حتي لا يفرط في ذلك الأسير بعد أن انفجرت فيهما قنبلة، كيف أنسي زميلي عماد وهو ينتحب بعد معرفته خبر استشهاد والده في الجيش الثالث وهو طفل غرير لم يخطو خطواته الأولي في التعليم الأساسي.. كلمة الشهيد محفورة في قلوبنا قبل عقولنا فلولاهم ما كنا نتمتع اليوم بالحياة علي أرض الوطن.
وصحيح أن الجيل الحالي لم يمر بتلك الحروب التي مرت بها الأجيال السابقة ولم يعرفوا معني الحرب والتهجير وأن تترك كل شيء وتذهب لمكان مجهول، وعندما تعود تكون قد فقدت العائل والسند فهل جسدت السينما أدوار مختلفة للشهيد؟.
ربما العالق في أذهاننا فيلم بين القصرين لكاتب نوبل نجيب محفوظ والجزء الأول من الثلاثية وموت "فهمي" صلاح قابيل الذي يؤثر فينا استشهاده كلما رأينا الفيلم أو قرأنا الرواية هو ورفاقه وبين لنا تأثير موت فهمي علي الأسرة جميعها، وأيضا نهر الحب الذي يجسد لنا أروع قصة حب وهنا يعكس تأثيرها علي المحبوبة ولكن لم نر تأثيرها مثلا علي الأم، الطريق إلي إيلات يبين لنا كيف يندم المتخاذل عن الإقدام في المشاركة في حماية وطنه بعد أن رأي وسمع بأم عينيه اللامبالاة والاستغناء عن الحياة والأسرة وكل شيء إلا الوطن والاستشهاد من أجله، ويبين لنا أيضا حرص الجندي المصري المقاتل الشريف برغم الصعوبات لكنه لا يترك زميله الذي استشهد حتي يصل بجثمانه إلي وحدته، والمواطن مصري فيلم مأخوذ عنپ رواية رائعة بعنوان الحب في بر مصر للكاتب يوسف القعيد يبين استغلال نفوذ العمدة الذي يرسل بالمواطن مصري للجبهة بدلا من ابنه وعندما يستشهد يحظي بكل تكريم بدلا من والده الملتاع علي فقد ابنه، هناك أيضا عمر المختار للمخرج العالمي مصطفي العقاد وأنطوني كوين من أروع ما شاهدناه علي الشاشة لنموذج البطولة والشهادة وكذلك أغنية علي الممر والاختيار وإن كان الاختيار ينحو إلي جانب التوثيق أكثر من الدراما وبالرغم من كل ذلك نسمع من قادة الحروب والجنود الذين شاركوا في هذه الحروبپ عن نماذج رائعة لم تذكر من قبل ولم تخلد وإني أناشد الشؤون المعنوية للقوات المسلحة أو القيادة أن يتم تسجيل شهادات القادة الذين نفقدهم يوما بعد يوم دون أن نعثر أو نوثق هذه البطولات الرائعة التي نفخر بها وبأصحابها.
في الحقيقة علينا مسؤولية كبيرة وهي غرس مشاعر الحب والانتماء للوطن والدفاع عنه بأثمن شيء وهو الروح وهذا لا يتأتي إلا من خلال الفن بكل صوره لشحذ الهمم ومشاعر حب الوطن دون صوت عال بنعومة الفن وانسيابيته نحن في صراع حقيقي مع العولمة والتكنولوجيا وغزو لطمس الهوية وفقد الروح القومية وعلينا أن نلملم شتات الوطن وألا نقف مكتوفي الأيدي أمام مايحدث في فلسطين والشهداء يتساقطون بالآلاف متي يفيق الوطن العربي ويلتحم في لحمة واحدة؟پ فالشهيد يؤثر في أسرته وحتي يؤثر في وطنه والأجيال التي تلحق به ويجب أن تخلد بطولاته والبطولة هنا ليست مصرية فقط بل عربية فالفن والأدب لا بد أن يخرج عن الخصوصية ليتجه إلي العمومية ويبرز اهتمامه هنا بالقيم الإنسانية والمباديء والأخلاق ومصلحة الوطن العربي بوجه عام، كما تربينا علي بطولات مثل جميلة بو حيرد وعمر المختار وغيرهم فالبطولة والاستشهاد وجهان لعملة واحدة هي الحرية وحب الوطن.
اترك تعليق