بعد التراجع المطرد على مدي عقد من الزمان، بدأ الجوع يزداد في العالم من جديد، مما أثر على حوالى 10% من سكان الأرض، من عام 2019 إلي عام 2022، ارتفع عدد الذين يعانون من نقص التغذية ليصل إلي 735 وهي أزمة مدفوعة إلى حد كبير بالصراعات وتغير المناخ ووباء COVID-19.
ويعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد الوخيم حيث إن 45% من وفيات الأطفال في العالم يسببها الجوع وآثاره.
وورد على موقع actionagainsthunger.org أن الجوع أكثر تعقيدًا من فراغ البطون إنه مشكلة متعددة الأوجه، له الكثير من الأسباب الجذرية والتأثيرات بعيدة المدي تعيش الغالبية العظمي من الجياع في العالم في الدول النامية.. حيث يؤدي الفقر المدقع وعدم الحصول على الطعام المغذي إلي سوء التغذية، وتشير الإحصاءات إلي أن النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر.
وهناك الكثير من الاتجاهات السلبية يعكسها التقرير الرئيسي السنوي للأمم المتحدة حول الأمن الغذائي العالمي، والذي صدر قبل اسبوعين، قدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" أن 735 مليون شخص واجهوا الجوع العام الماضي، بزيادة قدرها 122 مليونًا عن عام 2019، قبل أن تهز جائحة فيروس كورونا العالم.
تقرير هذا العام -"حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2023" -وجد أن حوالي 30% من البشر، أو حوالي 2.4 مليار شخص، كانوا يفتقرون إلى الغذاء الكافي عام 2022، في حين أن عددًا أكبر -3.1 مليار شخص -لم يتمكنوا من تحمل تكاليف نظام غذائي صحي وتوقع التقرير أنه بحلول نهاية العقد، رغم المبادرات الهامة للتخفيف من حدة الفقر، سيظل حوالي 600 مليون شخص يعانون من نقص التغذية المزمن، وهو ما يمثل ضربة للأهداف التي حددتها الأمم المتحدة للقضاء على الجوع بحلول عام 2030.
عواقب الأزمة في المجتمعات الفقيرة وخيمة.. حيث إن شبح الجوع ينهش أحشاء المهمشين. في عام 2022. وفقًا لوكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة، عاني 148 مليون طفل دون سن الخامسة من "التقزم"، كما تعرض 45 مليون طفل آخر "للهزال" -أي أنهم تأثروا بشدة بنقص التغذية على مدي فترة قصيرة من الزمن بحيث أصبح قياسهم نحيفًا جدًا بالنسبة لطولهم.
قالت منظمة الأغذية والزراعة في تقرير يوليو إن هناك 45 دولة تحتاج إلي مساعدات غذائية، ويؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية إلي الجوع في معظم تلك الدول، بما في ذلك هايتي وفنزويلا والعديد من البلدان في إفريقيا وآسيا.
في الصومال، حذرت المنظمات الدولية. نهاية العام الماضي، من أنها تمر بمجاعة فعلية بعد جفاف مطول وغير مسبوق، وقدرت الأمم المتحدة أن حوالي 43ألف صومالي لقوا حتفهم، رغم أن زيادة الدعم الإنساني حالت دون تفاقم الوضع. هذا العام، لا يزال من المتوقع أن يواجه حوالي 7 ملايين صومالي أزمة انعدام الأمن الغذائي.
يشعر مسئولو الأمم المتحدة بالقلق من تزايد أعداد الجوعي وأن إطعام عالم من المجتمعات الضعيفة لن يتم تلبيته من قبل المانحين للمساعدات الإنسانية في الغرب وأدت الحرب في أوكرانيا إلي تحويل المساعدات الإنسانية من الحكومات الأوروبية إلي مساعدات عسكرية لكييف وضيقت مجموعة المانحين مخصصاتها للأزمات في أماكن أخري.
نقل تقرير للواشنطن بوست عن كبير الاقتصاديين ببرنامج الأغذية العالمي، عارف حسين، إن وكالته، التي قدمت مساعدات غذائية لأكثر من 160 مليونًا في عام 2022، تلقت الآن تمويلًا أقل بمقدار الثلث عما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي.
أسعار القمح
من ناحية أخري، ارتفعت أسعار القمح بشكل حاد في الأسواق العالمية بعد أن انسحبت روسيا من اتفاقية البحر الأسود لتصدير الحبوب وقالت إنها ستعامل السفن المتجهة إلي الموانئ الأوكرانية كأهداف عسكرية محتملة.
قال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة لمجلس الأمن إن ارتفاع أسعار الحبوب منذ انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بشكل آمن من البحر الأسود "يهدد بالجوع وما هو أسوأ من الجوع بالنسبة لملايين الناس".
قال مارتن جريفيث للمجلس المؤلف من 15 عضوا "البعض سيصاب بالجوع والبعض سيتضور جوعا وقد يموت الكثير نتيجة لهذه القرارات" مضيفا أن نحو 362 مليون شخص في 69 دولة يحتاجون إلي مساعدات إنسانية.
قالت وكالة رويترز إن العقود الآجلة للقمح الأمريكي في شيكاغو ارتفعت بأكثر من 6% هذا الأسبوع، وحققت يوم الأربعاء الماضي أكبر مكاسب يومية لها منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، لكن بعض هذه المكاسب تقلصت يوم الجمعة جزئيًا بسبب الآمال في أن تستأنف روسيا المحادثات بشأن الصفقة.
ذكر موقع بي بي سي دوت كوم أن أسعار القمح في البورصة الأوروبية ارتفعت بنسبة 8.2%، لتصل 284 دولارًا للطن، بينما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 5.4%، وقفزت العقود الآجلة للقمح الأمريكي بنسبة 8.5% -وهو أعلي ارتفاع يومي لها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
أضاف الموقع أن الزيادة الحادة في تكلفة الحبوب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي أدت إلي ارتفاع الأسعار -ليس فقط للمواد الغذائية القائمة علي الحبوب، ولكن أيضًا للحوم والدواجن..حيث غالبًا ما يتم إطعام الحيوانات بالحبوب.
جادلت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة بأن صفقة البحر الأسود كانت عملية تجارية وقد أفادت الدول الفقيرة من خلال المساعدة في خفض أسعار المواد الغذائية بأكثر من 23% على مستوي العالم منذ مارس من العام الماضي، كما قام برنامج الأغذية العالمي بشحن 725 ألف طن من الحبوب إلي أفغانستان وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن.
لكن ميخائيل خان، خبير الاقتصاد الكلي الذي طلبت روسيا منه إحاطة مجلس الأمن بالموقف، قال إن أفقر الدول تلقت 3% فقط من الحبوب التي تشحنها أوكرانيا، وهو ما يتماشي مع بيانات الأمم المتحدة.
قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين في موسكو إن روسيا تتفاوض بشأن تصدير المواد الغذائية إلي الدول الأكثر احتياجًا بعد انسحابها من الاتفاق. لكنها لم توقع أي عقود بعد.
وشكا من خسارة روسيا بسبب انخفاض أسعار الحبوب وارتفاع تكاليف الشحن والمعاملات الخارجية وواردات آلات الإنتاج الزراعي وقطع الغيار.
أحد المطالب الرئيسية لموسكو هو إعادة ربط البنك الزراعي الروسي، روسيلخزبانك، بنظام المدفوعات الدولي SWIFT تم قطع البنك عن نظام سويفت من قبل الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022.
قبل انسحاب روسيا من اتفاق البحر الأسود، كانت الأمم المتحدة قد "توسطت في اقتراح" مع المفوضية الأوروبية لربط فرع روسيلخز بنك بسويفت.
قال مبعوث الاتحاد الأوروبي لدي الأمم المتحدة أولوف سكوج للمجلس "ما زلنا منفتحين لبحث حلول مع الأمم المتحدة يمكن أن تسهم في استئناف صفقة الحبوب".
المرجح أن تكون الدول التي تعتمد بشكل كبير على إمدادات أوكرانيا هي الأكثر تضررا، قبل الحرب، كان لبنان يحصل علي ما يقرب من ثلاثة أرباع حصته من أوكرانيا، في حين أن باكستان وليبيا وإثيوبيا تعتمد بشدة علي أوكرانيا أيضًا.
وفي وقت سابق، قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه سيعود إلي اتفاقية الحبوب الدولية على الفور إذا تمت تلبية مطالبه، وتشمل رفع العقوبات عن مبيعات الحبوب والأسمدة الروسية وإعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام الدفع العالمي "سويفت".
ذكر موقع بي بي سي دوت كوم أن صفقة حبوب البحر الأسود أتاحت لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة شحن أكثر من 725 ألف طن من القمح الأوكراني إلي الدول التي تواجه الجوع الحاد، بما في ذلك إثيوبيا واليمن وأفغانستان، لذلك قدمت أوكرانيا أكثر من نصف حبوب القمح لبرنامج الأغذية العالمي العام الماضي.
ومع ذلك. كان أكثر من نصف إجمالي الحبوب المشحونة بموجب الصفقة من الذرة، ومن بين 33 مليون طن تم تصديرها، ذهبت أكبر كمية إلي الصين "8 ملايين طن"، ثم إسبانيا "6 ملايين طن" وتركيا "3.2 مليون طن"، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وخيارات أوكرانيا لتصدير الحبوب بالسكك الحديدية محدودة للغاية: سعة السكك الحديدية أقل من أحجام الشحن والعديد من دول الاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية تمنع الحبوب الأوكرانية، من أجل حماية مزارعيها.
"هل هذه نهاية الصفقة؟"
يبدو أن الصفقة ستعلق لمدة أسبوعين علي الأقل، حتي القمة الروسية الأفريقية المقرر عقدها في سانت بطرسبرج في 27-28 يوليو، وربما حتي يجتمع الرئيسان الروسي والتركي في أغسطس.
يبدو أن الأسواق غير مقتنعة بأن الانقطاع سيكون طويلاً، فقد سبق أن هددت موسكو بالانسحاب من الصفقة مرات عديدة، على أي حال، يعتمد الكرملين بشكل كبير علي شركائه للتخلي عن الصفقة.
تم الاتفاق على صفقة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا قبل عام في اسطنبول بوساطة من الأمم المتحدة وتركيا بهدف إطلاق الحبوب الأوكرانية التي تشتد الحاجة إليها في السوق العالمية ووقف ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بموجب الجزء الأول من الاتفاقية، وعدت موسكو بعدم مهاجمة سفن الشحن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، بينما تعهدت تركيا والأمم المتحدة بفحص شحنات السفن، الجزء الثاني من الصفقة أعفي الصادرات الزراعية والأسمدة الروسية من العقوبات الأمريكية والأوروبية.
منذ ذلك الحين، غادر أوكرانيا حوالي 32 مليون طن من الحبوب بقيمة 8-9 مليارات دولار إلي دول من بينها الصين وإسبانيا وتركيا، تسببت الصفقة في انخفاض أسعار الغذاء العالمية بنسبة 11.6%، وفقًا لمؤشر أسعار الغذاء التابع للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه فإن الاتفاقية، بالنسبة لكييف، ليست مجرد مصدر رئيسي لإيرادات العملة الصعبة، فهي تخلي صوامع الحبوب الأوكرانية للحصاد الجديد.
رسميًا، تركزت اعتراضات روسيا علي أن الحبوب لم تصل إلي أفقر البلدان، رغم أن وجهات الصادرات لم تكن أبدًا جزءًا من الصفقة، كانت الأولوية الحقيقية للكرملين هي إزالة الحواجز أمام تصدير الحبوب والأسمدة الروسية، ومع ذلك، رغم قيام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإعفاءات من العقوبات للمصدرين الزراعيين الروس، فقد أثبتت الشركات الغربية أنها مترددة في العودة إلي العمل كالمعتاد مع نظيراتها الروسية.
هناك العديد من الأسباب لذلك، من بينها صعوبة إجراء المعاملات المالية، وزيادة التكاليف، وخطر فرض عقوبات جديدة يرتبط معظم منتجي الحبوب والأسمدة الروس الرئيسيين بطريقة ما بالدولة أو تم فرض عقوبات على أفراد في مجالس إدارة شركاتهم وإذا كانت الشركات الغربية والأنظمة المالية تعتبر الشركات الروسية منبوذة، فلا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئًا حيال ذلك.
كما أن روسيا غير راضية عن عدم تلبية مطالبتها بإعادة ربط البنك الزراعي الروسي المملوك للدولة بنظام سويفت الدولي للمدفوعات، وبدلاً من ذلك، اقترحت الأمم المتحدة حلاً وسطًا، وهو ربط شركة تابعة للبنك بالنظام.
تعتبر موافقة الكرملين علي تعليق صفقة الحبوب، استخفافًا بمدي تنامي اعتماد روسيا علي الصين وتركيا، وباعتبار الصين المتلقي الرئيسي للحبوب المصدرة بموجب الاتفاقية، فقد أدرجت بكين الصفقة كبند منفصل في خطتها للسلام لأوكرانيا، لا تريد موسكو إفساد العلاقات مع شريك رئيسي أصبح أكبر مشتر للهيدروكربونات الروسية "النفط والغاز" وأكبر بائع للسلع الخاضعة للعقوبات إلي السوق الروسية.
يتوقع أردوغان زيارة لبوتين الشهر المقبل لمناقشة الاتفاق، من بين قضايا أخري، يتمتع الزعيم التركي بقدر كبير من النفوذ لإقناع روسيا بالعودة إلي تنفيذ صفقة الحبوب إذا لم يكن قادة الدول الأفريقية قد فعلوا ذلك بالفعل.
اترك تعليق