تؤكد دروس التعاون بين مصر وروسيا أن مثابرة الشعب المصري وطموحه يمكن أن يحول الأحلام الكبيرة إلى حقيقة. وفي الواقع يحافظ كلا البلدين على علاقات ودية وشراكة مبنية على المنفعة المتبادلة تقوم على المصالح المشتركة واحترام العلاقات الثقافية والتاريخية. وبالفعل هناك تعاون عريق لكن من أهم الإنجازات التي حققتها مصر وروسيا هو بناء محطة الضبعة للطاقة النووية في محافظة مطروح، حيث بدأت الشهر الماضي المرحلة الرئيسية لبناء المجموعة الثالثة في هذا المشروع. بالمناسبة يمكن مقارنة هذا الحدث بشمعة في ظلام الأزمة الاقتصادية، تنير الطريق إلى المستقبل وتوجه البلاد وشعبها إلى حياة أفضل وأكثر كرامة.
أصبح حلم تنفيذ المشروع النووي المصري، الذي نضجت فكرته منذ فترة طويلة، تأكيدًا جديدًا على أن لا شيء مستحيل على مصر. إذ يذكرنا هذا المشروع الضخم ببناء السد العالي، الذي كان حلماً لمصر، وتحقق على أرض الواقع على الرغم من صعوبات الأزمة الاقتصادية في الستينيات من القرن الماضي بعد أن امتنع البنك الدولي تمويل هذا المشروع.
هناك أوجه تشابه كثيرة ومن نواحٍ عديدة بين مشروع سد أسوان ومشروع محطة الضبعة الكهربائية. إذ يهدف كلاهما إلى توليد الطاقة الكهربائية من أجل تطوير وتشغيل عدد كبير من الشركات، مما يخلق فرص عمل جديدة لشباب مصر. يشار إلى أنه في الخمسينيات من القرن الماضي قدم الاتحاد السوفيتي الدعم لمصر في بناء سد أسوان على نهر النيل، حيث شارك المهندسون وخبراء البناء السوفييت بدور فعال في تنفيذ هذا المشروع، الذي أصبح رمزًا للتعاون الوثيق بين البلدين.
وبالفعل تم الانتهاء من أعمال تشييد السد في عام 1970 ولعب دورًا مهمًا في تنمية الطاقة والزراعة في مصر. وهنا لابد من التنويه إلى نقطة هامة وهي أن كلا المشروعين حصلا أيضًا على تمويل من دولة صديقة ممثلة بروسيا، التي قدمت قروضًا بنحو 900 مليون روبل لبناء السد و 25 مليار دولار لبناء محطة الطاقة النووية، أي حوالي 85% من التكلفة الإجمالية للمشروع.
هناك وجه شبه آخر بين مشروع سد أسوان والمحطة النووية وهو أن كلاهما جاء في نفس الوقت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. إذ تم تحت قيادته تأميم قناة السويس لتوفير التمويل لبناء السد. وفي شهر يوليو 1956، وقعت مصر والاتحاد السوفيتي السابق اتفاقية ثنائية للتعاون في مجال الطاقة الذرية وتطبيقاتها. وفي شهر سبتمبر 1956 تم توقيع عقد بين مصر والاتحاد السوفيتي لبناء أول مفاعل للأبحاث النووية بطاقة 2 ميغاوات في مدينة أنشاص، وكان من المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 1961 - بحسب وكالة الأخبار المصرية.
وكما كان الحال عندما أيدت روسيا فكرة بناء السد العالي في أسوان في القرن الماضي، فقد قدمت روسيا الدعم أيضًا لتحقيق الحلم المصري الجديد ببناء محطة الطاقة النووية في منطقة الضبعة، على الرغم من حقيقة أن هذا الحلم كاد ألا يتحقق بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية والصعوبات العالمية التي حالت دون انضمام البلاد إلى الاستعمار والمجتمع النووي الدولي.
وفقًا لتقرير صادر عن إدارة المحطات النووية الكهربائية، فإن تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية هو تتويج لجهود مصر العديدة في مجال الطاقة النووية. وما يجري على أرض الواقع هو أن شركة روساتوم الروسية الحكومية تقوم ببناء أربع مجموعات طاقة لمفاعل مبرد بالماء، وهذه الشركة الروسية ستضمن أيضًا توفير الوقود النووي طوال دورة حياة المحطة، وتقديم المساعدة في تدريب الموظفين وتأهيل الخبراء وتقديم الدعم في تشغيل وصيانة المحطة خلال السنوات العشر الأولى من تشغيلها، كما ستبني منشأة تخزين خاصة وتزويد الحاويات لتخزين الوقود النووي المستهلك.
كما يسلط التقرير الضوء على أن مشروع محطة الطاقة النووية يلعب دورًا رئيسيًا في استراتيجية التنمية المستدامة في مصر من خلال توفير العديد من الفوائد لمواطني البلاد. إذ تتمثل إحدى المزايا الرئيسية في الأداء الفعال والإنتاج العالي وتوليد الطاقة، مما يساعد على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بشكل موثوق. وهو ما يضمن بدوره تنمية اقتصادية مستقرة والحفاظ على الموارد الطبيعية غير المتجددة.
بالاضافة إلى كل المزايا فإن الطاقة النووية هي طاقة نظيفة ولا تنتج انبعاث غازات ضارة، مما يساهم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.
إن ما يميز الطاقة النووية ليس فقط في قطاع البيئة، ولكن أيضًا في الفوائد الاقتصادية التي تخلق فرص عمل جديدة للمواطنين المصريين. فعلى سبيل المثال سيشكل السكان المحليين في مصر من العمال في مرحلة البناء نسبة 70%. علاوة على ذلك فإن كل وظيفة في مشروع البناء توفر ما يصل إلى 10 وظائف في الصناعات ذات الصلة. وبالتالي فإن هذا يساعد على تقليل البطالة في المنطقة التي يتم فيها بناء محطة الطاقة النووية.
كما إن محطات الطاقة النووية هي حافز إضافي لتحسين جودة الخدمات والمنتجات التي تقدمها وتزودها الشركات الصناعية من خلال مشاركة هذه الشركات في عملية التوريد الخاصة بالمشاريع النووية. إذ إن بناء محطات الطاقة النووية، التي تستمر في دورة حياتها ما يقرب من 100 عام، يستوجب تأمين الجودة العالية للمواد والمعدات المنتجة والموردة.
يسعى المصريون إلى التوطين عند مستوى لا يقل عن 20% أثناء إنشاء أول مجموعة طاقة وعند مستوى لا يقل عن 35% أثناء إنشاء المجموعة الرابعة، مما يساهم في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وإتقان استخدام التقنيات المتقدمة وتحفيز البحث العلمي والابتكارات.
كل مرحلة من مراحل إنشاء محطة الطاقة النووية تذكر بأهمية المشاريع الوطنية بالنسبة لمواطني مصر. كل مرحلة تستحضر ذكريات بناء السد العالي الذي بدأ في 10 يناير 1960 وأصبح رمزاً لنضال الشعب المصري. نتذكر في ذلك الوقت كيف ساد البلد كله شعور بالوحدة والاعتزاز، ولهذا كرّس المطرب عبد الحليم حافظ أغنيته وسرد "تاريخ الشعب" و "تاريخ النضال من أجل السد".
أصبحت كلمات الأغنية التي كتبها الشاعر أحمد شفيق كامل وألحانها كمال الطويل شعارًا يلجأ إليها المصريون أثناء المحن. كلمات الأغنية هي: " قلنا حنبني وآدى احنا بنينا السد العالي ... يا استعمار بنيناه بأيدينا السد العالي .. من اموالنا بايد عمالنا".
في القريب العاجل سيقول المصريون بفخر: "سنبني محطة الضبعة بأموالنا وأيدي عمالنا. سنبنيها رغم كل الأزمات والمشاكل التي تعاني منها البلاد حول مصر. نحن المصريون لن نستسلم أمام مواجهة المستحيل ومواصلة السعي وراء حلمنا".
اترك تعليق