"ما ضرني غريب يجهلني ولكن أوجعني قريب يعرفني" .. مثل شائع يردده البعض حينما يصاب أحدهم بخيبة أمل من أحد أقاربه أو معارفه، ولم تكن تتخيل أسرة الطفل "محمود جابر محمد إبراهيم" البالغ من العمر 8 سنوات، والمقيم بدائرة مركز شرطة طيبة بمحافظة الأقصر، أن تصبح هذه العبارة شعار دائم لها بعدما تحقق لديهم بالفعل وليس القول أن "الأقارب .. عقارب".
فلم تتخيل أسرة الطفل أن يكون سواد القلوب داخل بعض الأقارب بهذا الحجم الي وصل إلى حد حرمان أبوين من فلذة كبدهما والتخلص منه بطريقة وحشية لمجرد وجود خلافات عائلية بين الأب وبنات عمه اللتان تحولتا إلى شياطين، فقامتا باستدراج الطفل وذبحه بعد كتم أنفاسه، ثم تخلصتا من جثته بطريقة لا يتخيلها بشر، بمساعدة نجل المتهمة الأولى الذي تجاوز السابعة عشرة من عمره بيوم واحد، بعد أن فقد براءته وتحول إلى مجرم على يد والدته وخالته وشارك في نقل الجثة والتخلص منها باستخدام الدراجة النارية قيادته.
تفاصيل الواقعة المؤسفة التي تنشرها بوابة "الجمهورية أون لاين" دارت أحداثها في نجع عبدالهادى بالعماريط التابعة لقرية نجع جاد الكريم بالمدامود شمال الأقصر، وكانت البداية مع تغيب الطفل "محمود جابر محمد إبراهيم" البالغ من العمر 8 سنوات، في ظروف غامضة، لتبدأ أسرته فيما بعد رحلة شاقة للبحث عنه على مدار أسبوع كامل لم تترك خلاله الأسرة أي مكان مأهول بالسكان أو وسط الزراعات إلا وكانت أعمال البحث والتنقيب حاضرة هناك تحاول الوصول إلى أي دليل يقودها إلى مكان الطفل المتغيب.
أجهزة الأمن بقيادة اللواء هشام عبدالغفار مدير أمن الأقصر، فور تلقيها بلاغًا بالواقعة، كثفت من جهودها وتحرياتها لإماطة اللثام حول الواقعة وكشف ملابسات وظروف تغيب الطفل.
مرت ثمانية أيام على الواقعة، والأسرة لم تفقد الأمل في العثور على الابن، فكثفت من نشر صورة الطفل على صفحات التواصل الاجتماعي وفي مواقف السيارات وأماكن التجمعات ومعها أرقام التليفونات الخاصة بالأسرة للتواصل معها في حالة التعرف على الطفل .. وذلك قبل أن يصلها الخبر المشؤوم .
" لقينا محمود ميت ومرمي على الترعة " .. كلمات صادمة نزلت على مسامع أسرة الطفل كالصاعقة .. لم يكن أحد يتخيل أن ذاك الطفل البريء ستكون نهايته هكذا ، وجميع أهالي القرية يضربون كفًا بكف متسائلين : بأي ذنب قتل محمود ؟!
وكانت قوة أمنية بقيادة الرائد مختار الضوى رئيس مباحث مركز شرطة الأقصر، قد انتقلت إلى مكان البلاغ، وبالفحص تم العثور على جثة الطفل ملقاة على حافة ترعة نجع العرب بناحية القباحي بدائرة المركز، وتم نقلها لمشرحة مستشفى الكرنك الدولي، وقرر مدير الأمن تشكيل فريق بحث لكشف لغز وملابسات الواقعة، فيما أمرت النيابة العامة بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة وأمرت بسرعة ضبط مرتبكها والسلاح المستخدم.
وبسؤال والد الطفل أنكر في بداية الأمر وجود خلافات بينه وبين آخرين، لأنه لم يكن يتوقع أن خلافُا بينه وبين أحد أفراد العائلة سيكون دافعًا لقتل فلذة كبده .. لكن عند إعادة طرح السؤال عليه مرة أخرى من وكيل النائب العام حول ما اذا كان هناك خلاف بين آخرين حتى وإن كان مع إخوته .. ليصمت الرجل قليلًا، مهمومًا بفقد ابنه الطفل البريء، وبينما هو كذلك بدأ يعود بذاكرته إلى الوراء، ليتذكر كل كبيرة وصغيرة لعله يجد خيطًا يقود أجهزة الأمن وجهات التحقيق للوصول إلى مرتكب الواقعة.
بدأ الأب يسرد في تفاصيل الخلافات التي وقعت بين أفراد أسرته ، ومن بينها ما حدث مع اثنتين من بنات العم هما عزيزة بدري محمد إبراهيم البالغة من العمر 42 سنة وشقيقتها فاطمة بدري البالغة من العمر 34 سنة .. وهو يعرج على تلك الخلافات بهدوء تام مستبعدًا أن يكون لهما دورًا في التخلص من فلذة كبده .
النيابة العامة أمرت بعد الاستماع إلى أقوال الأب، باستدعاء المذكورتين، وعلى الفور قامت أجهزة الأمن بضبطهما وإحضارهما نفاذًا لقرار النيابة العامة، لتكشف التحقيقات ما لم يتوقعه الأب .. وهو اشتراكهما في قتل ابنه والتخلص من جثته بطريقة وحشية.
وتبين من تحقيقات النيابة العامة التي أشرف عليها المستشار حامد النجار المحامي العام لنيابات الأقصر الكلية، قيام عزيزة وشقيقتها فاطمة، بقتل المجنى عليه الطفل محمود جابر محمد إبراهيم، عمدًا من سبق الإصرار بأن بيتتا النية وعقدتا العزم على قتله وأعدتا لهذا الغرض سلاحًا أبيض "سكين" واستدرجتاه إلى إحدى الغرف بمسكنهما وما إن طفرتا به حتى أطبقت الأولى على أنفاسه بقطعة قماشية جوزتها وأستلت سكينًا حوزتها وكالت له طعنة فأحدثت إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، والتي أودت بحياته قاصدتين من ذلك قتله حال تواجد المتهمة الثانية بمسرح الواقعة للشد من آزرها.
وكشفت التحقيقات اشتراك المتهم الثالث محمود محمد عبداللاه أحمد " عامل أجري " 17 سنة ومقيم أبوالجود بقسم الأقصر- نجل المتهمة الأولى - بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمتان الأولى والثانية على ارتكاب جرمهم، بعد أن نشبت خلافات فيما بينهم مع والد المجني عليه، حتى اتفق معهم على قتله وساعدهما بأن نقل جثمان المجني عليه واصطحبهما بالدراجة النارية قيادته وتخلصوا من الطفل القتيل بأن قاموا بإلقائه بترعة العرب بمنطقة القباحي .
وكشفت التحقيقات توجيه والد ووالدة الطفل الاتهام للمذكورين الثلاثة بقتل نجلهما، وأكد ذلك أقوال الشهود حيث قال الرائد مختار محمد محمد الضوي رئيس مباحث مركز شرطة الأقصر، بأنه تمكن من ضبط المتهمين والعثور علىمكان جثمان المجنى عليه والسلاح الأبيض "سكين" المستخدم في الواقعة، وأضافه بأنه على إثر خلافات أسرية فيما بين المتهمين ووالد المجني عليه، اتفقتا والمتهم الثالث على النيل منه والتخلص من نجله، وأضاف بأن تحرياته السرية توصلت إلى قيام المتهمتين الأولى والثانية بقتل المجني عليه الطفل بأن قامت الثانية باستدراجه داخل مسكنها واصطحابه إلى إحدى الغرف، وحال ذلك قامت المتهمة الاولى بالإمساك به وأطبقت علي أنفاسه بقطعة قماشية وقامت بطعنه بسلاح أبيض "سكين" برقبته " فأحدثتا به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وتخلصوا من جثمانه بمكان العثور عليه وعزى قصدهم من ذلك القتل .
وبمواجهة المتهمتان عزيزة بدري وشقيقتها فاطمة بدري، أقرا بارتكاب الواقعة، كما ثبت بالمعاينة التصويرية محاكاة المتهمين لكيفية ارتكاب الواقعة، وثبت بتقرير الصفة التشريحية أن الإصابة المشاهدة والموصوفة أعلى يمين الرقبة هي جرح طعني حيوي حديث حدث بجسم صلب حاد النصل وذو طرف مدبب، أيا كان نوعه، كما أن إصابة المجني عليه الطعنية الغائرة بالرقبة يجوز حدوثها من حرز السكين ذات النصل المعدني محل الفحص، كما يجوز حدوث الوفاة وفق التصور الوارد بمذكرة النيابة العامة.
وعقب انتهاء تحقيقات النيابة العامة، أمر المحامي العام لنيابات الأقصر الكلية بإحالة القضية التي حملت رقم 2947 لسنة 2022 جنايات مركز الأقصر، والمقيدة برقم 1538 لسنة 2022 كلي الأقصر، إلى محكمة جنايات الأقصر .
وبعد عدة جلسات لنظر القضية قررت محكمة جنايات الأقصر – الدائرة الأولى – إحالة الدعوى لفضيلة المفتي لإبداء الشرعي في تطبيق عقوبة الإعدام شنقًا على المتهمتين الأولى والثانية، وحددت جلسة الدور الثاني من يوليو المقبل للنطق بالحكم على المتهمين والمتهم الثالث "الطفل الحدث".
أصدر القرار المستشار كمال فخري شمروخ، رئيس المحكمة بعضوية كل من المستشار أحمد عصام الدين، والمستشار أسامة أحمد محمود، وبحضور عمرو فتح الله ممثل النيابة العامة، وبأمانة سر محمد حفني محمد ومصطفى محمود العمدة.
اترك تعليق