كان عمري عشر سنوات تقريباً عندما قامت حرب أكتوبر، وكان والدي رحمه الله يتابع أحداثها في الراديو ويشتري الجرائد كل يوم لمتابعتها .. أما أنا فكنت أقص صور المعركة وعناوينها من الصحف والمجلات وألصقها في كراسة خاصة لعمل ألبوم صور للمعركة، وكان والدي يشجعني على إكمال الألبوم،
قائلاً: سيأتي اليوم الذي تحتاجه!! وتحققت مقولة والدي، لأنني ما توقعت أن أعيش خمسين سنة لأحكي هذه القصة وأعود إلي الألبوم وذكرياته!! نعم يا سادة بعد أشهر قليلة سنحتفل باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر، لأن هذا العام 2023 هو العيد الخمسيني لهذا الحدث الكبير .. فهل نحن علي استعداد للاحتفال به مسرحياً؟!.

كثيرون عاشوا هذا الحدث من الفنانين وأسهموا فيه مسرحياً - منذ خمسين سنة - أمثال: أحمد حلاوة، أحمد راتب، أحمد زكي، أحمد عبد الحليم، إسماعيل العادلي، جلال عيسي، حسن حسني، رشاد رشدي، زكي عمر، سعد أردش، سعد الدين وهبة، سعيد عبد الغني، سناء شافع، سهير طه حسين، سيد الملاح، السيد بدير، السيد راضي، سيد مكاوي، شريفة فاضل، شفيق نور الدين، شكري سرحان، عبد الحفيظ التطاوي، عبد الرحمن الشافعي، عبد الرحمن شوقي، عبد الرحيم الزرقاني، عبد السلام محمد، عبد العزيز عبد الظاهر، عبد الغفار مكاوي، عدلي كاسب، عزت العلايلي، كرم مطاوع، ليلي أبو سيف، ماهر العطار، محمد الشويحي، محمد العناني، محمد نوح، محمود رضا، محمود عزمي، محمود ياسين، مختار أمين، منصور مكاوي، نبيل الألفي، نبيل بدر، نبيل بدران، هاني مطاوع، يسري الجندي، يوسف السباعي.. إلخ.

أكيد أنت الآن تترحم علي هذه الأسماء وتقول: ليتهم أحياء ليحكوا لنا عن المسرح وقت المعركة بمناسبة اليوبيل الذهبي!! هذا التمني رغم صعوبة حدوثه إلا أنه ليس مستحيلاً .. فهناك فنانون عاشوا الحدث وأسهموا فيه منذ خمسين سنة.. وما زالوا بيننا حتي الآن متمتعين بالصحة والذاكرة القوية!! فلماذا لا نستغل وجودهم وذكرياتهم في الاحتفال باليوبيل الذهبي، لا سيما في ندوات وجلسات المهرجان القومي للمسرح؟!!.

لماذا لا ننعش ذاكرة سيدة المسرح العربي "سميحة أيوب" لتحكي لنا عن دورها في المعركة مسرحياً بوصفها مديرة المسرح الحديث وقتذاك، وكيف غيّرت برنامج المسرح ليواكب أحداث المعركة؟ ولماذا قلّصت ميزانية المسرح لتستوعب أكبر عدد من العروض خدمة للمعركة؟! وما ذكرياتها وظروف قيامها ببطولة مسرحيات: عفاريت الليل. وحبيبتي شامينا. والعمر لحظة، ورأس العش؟! ولماذا لم يتم تمثيل مسرحية "شطارة" من بطولتها! وأخيراً نريدها تروي لنا ما حدث في اجتماع هيئة المسرح بمسرح البالون برئاسة السيد بدير، وتقسيم ممثلي وممثلات المسرح والعاملين بالهيئة إلي خمسة أقسام لخدمة المعركة.. حيث إنها كانت المشرفة على جمع التبرعات النقدية والعينية من المتاجر والمؤسسات والشركات للمجهود الحربي، وكذلك تروي لنا الفنانة العظيمة "سهير المرشدي" والفنان القدير "أشرف عبد الغفور" ظروف دورهما في مسرحية "حدث في أكتوبر".

وبنفس المنطق يحكي لنا المخرج القدير "سمير العصفوري" عن ظروف إخراجه لمسرحيتي "حبيبتي شامينا، وكلام فارغ"، أما الفنان "محمد صبحي" فنتمني أن يحدثنا عن أول إخراج مسرحي درامي له، عندما قام بإخراج مسرحية "الحرب والسلام" بجانب الإخراج الاستعراضي لمحمود رضا، والأمر نفسه ينطبق علي الفنان القدير "محمود الحديني" الذي مثّل الشخصية المحورية في هذا العرض، ولا ننسي القدير "رشوان توفيق" ودوره في مسرحية "رأس العش" مع الفنانة "مديحة حمدي"، وكذلك الرائع "عبد الرحمن أبو زهرة" ودوره في مسرحيتي "الحرب والحب. وعفاريت من ورق"، ونسمع كذلك للمخرج "عبد الغني زكي" كيف ساعد عبد الرحيم الزرقاني في إخراج مسرحية "واحد ولا اتنين"، وساعد أيضاً سعد أردش في إخراج مسرحية "رأس العش"، أما "فردوس عبد الحميد" فنتشوق لسماع روايتها عن دورها الغنائي في مسرحية "حبيبتي شامينا"، وكذلك نريد سماع الفنان الجميل "سامح السريطي" عن دوره في مسرحية "محاكمة عم أحمد الفلاح"، وكيف نجحت المسرحية رغم ضعفها.

أما الكاتب القدير "السيد حافظ" فيجب تخصيص مساحة تليق بدوره في المعركة مسرحياً، عندما كان مشهوراً باسم "أوزوريس" في الإسكندرية. حيث كوّن فرقة مسرحية طليعية عرضت مجموعة كبيرة من المسرحيات وقت المعركة، وهي مسرحيات كتب وأخرج أغلبها السيد حافظ. مثل: عمار يا مصر، وستة رجال في المعتقل. ووالله زمان يا مصر. ووطني .. وطني، ورجل ونبي وخوذة، وسينا .. مانسيناش، وأحبك يا مصر .. الرصاص، ومن كتاب النيل. والوصايا. ورسالة من فلاحي الضهرية إلي فلاحي العالم!! ونتيجة لهذا النشاط أطلق الدكتور "علي شلش" علي مسرح السيد حافظ "مسرح الطلقة"!! وطالما الحديث اتجه إلي الإسكندرية فسننتظر الدكتور "أبو الحسن سلام" ليحكي لنا كيف كوّن فرقة سيد درويش بجمعية الدراما مع عدد من فناني المسرح السكندري، وكيف أنتجت الفرقة مسرحية "شرقاً إلي سيناء" وعرضها أيام المعركة على مسرح إسماعيل ياسين بكورنيش كامب سيزار. وكيف حارب الآخرون هذا العرض حسداً وغيرة؟!.

ويجب ألا ننسي الفنان الدكتور "حسن خليل" ليحكي لنا ظروف اشتراكه في العروض المسرحية أيام المعركة، عندما صمم اللوحات الاستعراضية لأكثر من عرض مسرحي مثل: حُراس الحياة، والحرب والسلام، وبالمنطق نفسه يجب ألا ننسي الموسيقار "علي سعد" ودوره في تلحين مسرحيتي "هنا القاهرة، والحمام علي برج أكتوبر" وكيف كان ينوي محاربة العدو في السويس مع رفيق عمره مؤلف المسرحيتين عبد العزيز عبد الظاهر، وكيف أبدلا حربهما بالسلاح إلي حرب بالمسرح كتابة وتلحيناً. كذلك "سمير عبد الباقي" فإننا في شوق لسماع قصة تأليفه مسرحية "في حب مصر" واشتراكه بأشعاره في مسرحيات أخري كثيرة. ويحضرني الآن اسم المخرج "إميل جرجس" الذي أخرج في قنا مسرحية "الشرارة" لزكي عمر. والذي يحتفظ بنصها المخطوط والذي بحثت عنه الساحة الثقافية منذ عدة أعوام عندما اختلف البعض حول المؤلف الحقيقي لأشعار المسرحية!! وأتمني أيضاً أن يحكي لنا الأستاذ إميل عن إخراجه لمسرحية "راجل بـميّت ألف" لفرقة شبين الكوم المشاركة في مهرجان الاحتفال الأول بانتصار أكتوبر.. كل هؤلاء- وأكثر منهم لا تسعفني الذاكرة بتذكرهم والتأكد من أنهم بيننا الآن - يجب حضورهم والاستماع إليهم في اليوبيل الذهبي .. وهذا اقتراحي الأول!!.

الاقتراح الثاني: مشروع لم يتم!!.
في عام 2015 أهدي أحد الباحثين للمركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية ثلاثين نصاً مسرحياً مخطوطاً عن انتصارات أكتوبر في أول أعوامه!! وهذا الإهداء كان بغرض نشر هذه النصوص حفاظاً عليها للأجيال القادمة، وهي: الشرارة، حدث في أكتوبر أو ارتجالية المعركة، حراس الحياة أو ولاد بلدنا، يوم 6 شهر 10 سنة 73، اليوم الكبير، حدث في القنطرة شرق، فرحة القنطرة. حكاية مصر أو عمار يا مصر، القرار، رصاصة شظية حفنة رمال، يا صباح النصر يا مصر، عبور، دموع الأخطبوط. الحمام علي برج أكتوبر، الكل يعبرونها والعة، العبور، العمر لحظة، عيلة 6 أكتوبر أو كارت للذكري، انتقام السماء، أغنية للحياة، سنين الصبر، كفاح الأحرار، وطلع النهار، في حب مصر، السويس 24، أنشودة سيناء، الطريق للبوابة التاسعة، عبور الفلاحين أو ملحمة العبور، عفاريت من ورق، قاهرة السادات، سقوط بارليف، حبيبتي يا مصر.

وللأسف مشروع نشر هذه النصوص لم يتم حتي الآن، وكانت هناك محاولة لنشر خمسة نصوص في كتاب، ولكنها لم تتم، وأظن آن الأوان لنشر هذه النصوص أو بعضها في هذه المناسبة- حتي ولو ضمن إصدارات المهرجان القومي للمسرح - علماً بأن المشروع قام به رئيس المركز وقتذاك. وبجهد كبير من "رضا فريد يعقوب"،و "رانيا بشر" بوصفهما من كبار موظفي المركز حينها. وأهم ما يُميز هذا المشروع القراءات الأدبية - التي كانت ستنشر مرفقة بالنصوص - وكتبها النقاد والكتاب والمبدعون وباحثو المركز أمثال: الناقد باسم صادق، والباحث عمر توفيق، والكاتب مجدي محفوظ، والمبدعة صفاء البيلي، ومن باحثي المركز: حسن الحلوجي، ورنا عبد القوي، وعلي داود، ودعاء الألفي. وأحمد عادل. وأسماء صلاح.

الاقتراح الثالث: رسالة دكتوراه
النصوص المسرحية المُهداة إلي المركز القومي للمسرح - والتي مازالت محفوظة حتي الآن - كتبت عنها بعض الصحف وقتذاك. فاهتم بها الباحث "محمد حسن نصار" وقرر دراسة بعضها أكاديمياً، وجعلها موضوعه البحثي لنيل درجة الدكتوراه، وبالفعل حصل الباحث علي الدكتوراه في موضوع "الرؤية والتشكيل في نصوص المسرح التسجيلي في مصر: مسرحيات حرب أكتوبر نموذجاً"، وهذه الرسالة - غير المنشورة- محفوظة حتي الآن في مكتبة الرسائل الجامعية بجامعة حلوان منذ إجازتها عام 2019، وأظن أن نشرها في هذه المناسبة مناسب جداً ويتسق مع الاحتفال باليوبيل الذهبي بظهور كتاب هو في الأصل رسالة دكتوراه لم تُنشر حتي الآن!!.
اترك تعليق