سَلِيط بْن عَمْرو .. صحابي جليل من السابقين الاولين في مكة المكرمة الذين دخل الإيمان قلوبهم فشهدوا بان لا إله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله وكان من أوائل المهاجرين وهاجر رضي الله عنه إِلَى أرض الحبشة فِي الهجرة الثانية ومعه امرأته فاطمة بِنْت علقمة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة ليلازم رسول الله ويشهد معه بدراً على ما قاله الواقدي وأبو معشر البلخي ، كما شهد المشاهد كلها. وكان أحد سفراء الاسلام الذين جابوا الممالك وهم يحملون رسائل النبي عليه الصلاة والسلام إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام.
هو سَلِيط بْن عَمْرو بْن عَبْد شمس بْن عَبْد ود بْن نصر بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي. وأمه خولة بنت عمرو بن الحارث بن عمرو من عبس من اليمن، وقد أعقب من الولد سليط بن سليط وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه بكتابه إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة، وذلك فِي المحرَّم سنة سبْعٍ من الهجرة.
عقب عودة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بعد صلح الحديبية قرر اختيار بعض أصحابه ليكونوا رسلا يحملون رسائله إلى الملوك والأمراء في جميع أقطار الأرض إلى يدعونهم إلى الإسلام، وذلك استجابة للأمر الإلهي بأن يبلغ الدين للناس كافة، قال سبحانه: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ)) الآية 29 سورة سبأ وتعتبر رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء نقطة تحول هامة في سياسة دولة الإسلام الجديدة في المدينة المنورة؛ إذ بها نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته إلى ملوك الأرض وشعوبها، وعرَّفهم بالدين الجديد، الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين، وفي ذلك دلالة على عالمية الإسلام، تلك العالمية التي أكد عليها القرآن الكريم في قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) آية 107 سورة الأنبياء.
وكان سَلِيط بْن عَمْرو أحد هؤلاء السفراء الاجلاء رضوان الله عليهم، الذين حملوا تلك الكتب والرسائل قاطعين الصحراء والجبال؛ ليشاركوا في تبليغ دعوة الإسلام إلى الدنيا كلها، غير مبالين من أن يُقتلوا، انطلقوا يحملون بشائر الهدى وأنوار الهداية، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختم النبي صلى الله عليه وسلم، تحمل في طياتها دعوته صلى الله عليه وسلم وحرصه على إسلام هؤلاء الملوك، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لسفرائه قائماً على مواصفات يتحلون بها، من علم وفصاحة، وصبر وشجاعة، وحكمة وحسن تصرف وحسن مظهر.
وكان لهذا الأسلوب الجديد الذي انتهجه رسول الله صلة الله عليه وسلم الأثر الكبير في اتباع بعض الملوك والأمراء للدين الجديد والدخول في الإسلام، كما كشفت هذه الخطوة ما يكنه بعض هؤلاء الملوك والأمراء من بغض تجاه الإسلام. وقد استطاعت الدولة الإسلامية من خلال ردود الفعل المختلفة تجاه الرسائل النبوية للملوك والأمراء أن تنتهج نهجاً سياسيًّا وعسكريًّا متناسباً معهم.
حمل الصحابي الجليل سَلِيط بْن عَمْرو رضي الله عنه كتاب رسول الله إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة سنة ست او سبع للهجرة.لما قدم سليط على هوذة بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم مختوما، انزله وحياه وقرأ عليه الكتاب الذي جاء فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك"
فلما قرأ سَلِيط بْن عَمْرو رضي الله عليه الكتاب قال له: يا هوذه إنك سودتك أعظم حائلة (أي بالية) وأرواح في النار، وإنما السيد من متع بالإيمان ثم زود بالتقوى، إن قوما سعدوا برأيك فلا يتقون به وإني آمرك بخير مأمور به، وأنهاك عن شيء منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان، فإن في عبادة الله الجنة، وفي عبادة الشيطان النار، فإن قبلت نلت ما رجوت وامنت ما خفت، وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطلع.
فقال هوذة: يا سليط، سودني من لو سودك شرفت به وقد كان لي رأي اختبر به الأمور ففقدته، فموضعه من قلبي هواء، ما جعل لي فسحة يرجع إلى فيها رأيي فأجيبك به إن شاء الله.
وكتب هوذة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن ما تدعو اليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر اتبعك".
واجاز سليطا بجائزة وكساه اثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، ودفع اليه كتابه، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه قال: "لو سألني شبابة من الأرض (أي حجر) ما فعلت، باد وباد ما في يده".
وبعد فتح مكة، جاء جبريل عليه السلام وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مات هوذة فأخبر صلى الله عليه وسلم صحابته وقال: «أما أن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ، يقتل بها بعدي"، فقال قائل: "يا رسول الله من يقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "انت وأصحابك" فكان كذلك.
ذكر الواقدي أن أركون دمشق عظيم من عظماء النصارى كان عند هوذة فسأله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال جاءني كتابه يدعوني إلى الإسلام فلم أجبه قال الأركون لم لا تجيبه فقال ضننت بديني وأنا ملك قومي ولئن تبعته لم أملك قال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه. وإنه للنبي العربي الذي بشر به عيسى بن مريم وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله.
عقب انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جوار ربه ظل الصحابي الجليل سَلِيط بْن عَمْرو رضي الله مؤمناً مجاهداً وفي خلافة الصديق أبي بكر رضي الله عنه ومع ظهور المرتدين، حرص رضي الله عنه على المشاركة في الجهاد وانضم إلى جيش المسلمين المتجه إلى اليمامة لوأد فتنة مسيلمة الكذاب ليحظى سليط بالشهادة في موقعة اليمامة سنة 12 هجرية، وهي المعركة التي قتل فيها كذاب اليمامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اترك تعليق