هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الصوم في اليهودية والنصرانية والإسلام
الدكتور/ عبد القادر عبد الله سليم
الدكتور/ عبد القادر عبد الله سليم

الصوم قاسم مشترك في الديانات الثلاث، فقد كُتب الصيام على الأقوام الذين سبقوا رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-؛ بدليل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة.


ففي هذه الآية تصريحٌ بأنّ الأقوام السابقين قد كتب الله تعالى عليهم الصوم، ولكنّ العلماء لم يتّفقوا على كيفيّة صوم الأقوام السابقين.
 فقد رُوي عن بعض العلماء أنّ الله فرض على الأمم السابقة صيام ثلاثة أيامٍ، ويذكر العلماء أنّ وجه التشابه بين صيام الأمم السابقة وصيام أمّة سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- هو الإمساك عن الطعام والشراب، وورد أنّهم كانوا يمسكون عن الجماع أيضاً.

وقد ثبت أيضاً أنّ نبي الله موسى -عليه السلام- قد صام أربعين يوماً، وأنّ سيدنا عيسى -عليه السلام- والحواريّين كانوا يصومون الصوم الكبير الذي يسبق عيد الفصح.

 الصيام في اليهودية :
******"*********
اشتمل التقويم اليهوديّ على أيَّامٍ محدّدةٍ يصوم فيها اليهود، وقد ارتبطت هذه الأيام بمناسباتٍ خاصَّةٍ عندهم، ويكون صيامهم من قبل غروب الشمس إلى بعد غروب شمس اليوم اللاحق في بعض مناسبات الصيام، وفي مناسباتٍ أخرى يكون صيامهم من شروق الشمس إلى غروبها، يمتنعون أثناء صيامهم عن الطعام والشراب والجماع والعمل، وهذه الأيام هي:
 ١. صيام يوم الغفران: 
ويُعرف أيضًا بيوم كيبور، وهو اليوم الوحيد المنسوب إلى موسى -عليه السلام- والمذكور في أسفار اليهود المنسوبة إليه عليه السلام، وهو أهمّ صومٍ عند اليهود، كما أنّه أهمّ يومٍ في تقويمهم. 

٢. صوم تموز:
 وهو صيام اليوم الثامن عشر من شهر تموز اليهودي، ويصومه اليهود حدادًا على أحداثٍ أليمةٍ عندهم؛ كتحطيم ألواح التوراة، وإبطال القرابين اليوميّة، وغيرها.

٣.  صوم التاسع من آب: 
ويصومه اليهود لأنّه عندهم يصادف ذكرى سقوط أورشليم على يد تيطس وتخريب الهيكل الثاني كما يدّعون. 

الصيام في المسيحيّة:
******************
 يمارس المسيحيون الصوم لأسبابٍ أوردها الكتاب المقدّس، منها تقوية الروح بحرمان الجسد من الملذات، وكذلك تذكير المسيحيين بالله، وقد تعدّدت صور الصيام الذي تمارسه الطوائف المسيحيّة، ومنها:

 ١. الصوم الذي أمر به يسوع تلاميذه: 
حيث ورد في بعض النصوص أنّه أمره بالصيام، وأمرهم بغسل وجوههم وفعل أمورٍ؛ كي لا يظهر تعب الصوم وآثاره عليهم.

٢.  الصوم الكبير: 
وهو صيام أربعين يومًا على كلّ من زاد عمره عن الأربعة عشر عامًا، وتختلف طريقة الصيام من طائفةٍ إلى أخرى؛ فمنهم من يمتنع عن تناول اللحوم ومنتوجاتها أثناء هذه المدّة، ومنهم من يمتنع عن الطعام لساعاتٍ محدّدة.

الصيام في الإسلام:
**************
 لقد فُرض الصيام على سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- في السنة الثانية من الهجرة لقوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصمه). سورة البقرة.
 وحديث الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ). متفق عليه.

فقد فُرض على المسلمين في بداية الإسلام :
صيام يوم عاشوراء، ولكن نسخ الله -تعالى- أمر الصيام فأصبح صيام شهر رمضان هو المفروض على المسلمين.
والصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب وما في حكمها، وكذلك الامتناع عن شهوة الفرج، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بشرط النية.

 والصيام المفروض على المسلمين، صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات والنذور، ويجب الصوم على كلّ مسلمٍ مكلَّفٍ، ومن أهم الأمور التي يعلمها الصيام للنفس الإنسانيّة، الإخلاص لله -تعالى- وتربية النفس على قهر الهوى.

ما الذي يعنيه هذا القاسم المشترك في الديانات الثلاث:
********************************************
 والذي يعنيه هذا القاسم المشترك( الصيام)  هو قبول الآخر والتعايش معه، وعدم رفضه أو الانتقاص من حقه.. فقد هلّ علينا شهر الصيام، يحمل في طياته أعظم القيم وأرقّ المشاعر، ويعلمنا الدرس الإلهيّ البسيط العميق الأزليّ في تعاملنا بعضنا نحو بعض، في كيفية تعاملنا مع أنفسنا ومع عائلاتنا ومع أقاربنا، وفي كيفيّة تعاملنا مع "الآخر المختلف"، فلا نعتبره تهديدًا لوجودنا بل نراه جزءًا مهمًّا في مجتمعنا.

 لذا نرى أنّ الصوم ركيزة أساسية في اليهودية والمسيحية والإسلامية كما سبق واشرنا إلى قول الله تعالى : " كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم".

 فالأُسس والقيم مشتركة بين الجميع، أما الاختلاف فهو في التفاصيل، وأرادنا الله أن نكون مختلفين لنقترب بعضنا من بعض ونتعرف على القواسم المشتركة وعلى نقاط الاختلاف، لنعرف أننا يكمّل أحدُنا الآخر، حيث علَّمنا وفسَّر لنا ذلك في كتابه الكريم :"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"... (إلى آخر الآية الكريمة).

وقد قلنا أن الصوم هو" ترك الطعام والشراب والكلام والنكاح". فالانقطاع عن الطعام والشراب رأيناه في صوم اليهود وصوم المسيح ابن مريم، لكنَّ الصوم فيه أيضًا الإمساك والانقطاع عن الكلام، كما ورد في القرآن الكريم في سورة مريم: ..."فقولي إني نذرتُ للرحمن صومـًا فلن أُكلّم اليوم إنسيًّا"... (إلى آخر الآية الكريمة).

وجاء في الأحاديث الصحيحة  أنّ الله تبارك وتعالى "خصّ الصَّومَ بأَنه له وهو يَجْزِي به، وإنْ كانت أَعمالُ البِرِّ كلُّها له وهو يَجْزِي بها، لأَن الصَّوْمَ ليس يَظْهَرُ من ابنِ آدمَ بلسانٍ ولا فِعْلٍ فتَكْتُبه الحَفَظَةُ، إنما هو نِيَّةٌ في القلب"..

فالصوم في الديانات الثلاث هو التقرب الى الله والى عمل التقوى، والصوم كذلك هو التقرب من الإنسان الآخر، لنفهمه ونساعده على أن يفهمنا، وأن نقوي العلاقة الإنسانية ونبتعد عن الأعمال السيئة الشريرة. 

الصوم في الديانات الثلاث يعني التضحية، وللتضحية معانيها الكثيرة الكبيرة الراقية، والصوم هو الانقطاع عن الطعام والشراب لنشعر بالجوع الذي يهدد ملايين الأطفال والشيوخ  في أنحاء المعمورة. 

والصوم هو نظافة اللسان والضمير، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-:  "مَن لم يَدَعْ قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". صحيح.

ونجد السيد المسيح  يقول في العظة على الجبل محذرًا من التظاهر بالتقوى والعبادة وعمل الخير: ..."سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبُّوا أعداءكم... أحسنوا الى مبغضيكم وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم... إن أحببتم الذين يحبونكم فأيّ أجر لكم؟! أليس العَشّارون أيضًا يفعلون ذلك؟... احترزوا أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلاّ فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فإذا صنعتَ صدقة فلا تصوّت قدامَك بالبوق كما يفعل المُراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمَجَّدُوا من الناس... أما أنت فإذا صنعت صدقة فلا تعرف شمالُك ما تفعل يمينُك لكي تكون صدقتك في الخفاء"... (متّى 5-6).

إنّ هذا الشهر المبارك هو مناسبة جيدة لنعيد حساباتنا مع أنفسنا أولاً، ومع الآخرين، حتى نعيد للحياة وهجها القوي الجميل، ونعيد اللُّحْمة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، كي نبني مجتمعًا متسامحًا محبًّا نافعًا، ونقوّي علاقتنا بعضنا مع بعض على أسس المحبة الصادقة بعيدًا عن التشنج البغيض والعداوة الظاهرة والخفية، لنعيد لهذا المجتمع روحه الصافية النقية.

أتمنى لكل الصائمين صومًا مقبولاً وإفطارًا شهيًا، وأن يعيده الله علينا جميعًا بالخير والصحة والسعادة، وكل عام وأنتم بخير.
حفظ الله مصر قيادة وشعبا وجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار.

كتبه الدكتور/ عبد القادر عبد الله سليم.
مدير الدعوة باوقاف كفرالشيخ.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق