ما زالت تداعيات الزلزال الذي تعرضت له تركيا وسوريا في 6 فبراير 2023، وأودى بحياة آلاف البشر، وخلّف خسائر مادية تقدر بالمليارات، مستمرة بتوابعها وبزلازل أخرى أقل مستوى على مقياس ريختر، ما يستدعي إعادة تشكيل خريطة مخاطر الكوارث بالشرق الأوسط.
واستعرض تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الذي نشره "المنتدى الاقتصادي العالمي"، بالتعاون مع "مارش ماكلينان" و"مجموعة زيورخ للتأمين"؛ نتائج أحدث مسح لتصور المخاطر العالمية GRPS.
وقد جدَّد الزلزال، المخاوف من الخسائر الفادحة التي تشهدها المنطقة بين الحين والآخر بسبب مثل تلك الأخطار والكوارث الطبيعية التي تنقسم إلى أحداث سريعة الحدوث مثل الأعاصير والزلازل والفيضانات المفاجئة، أو الأحداث بطيئة الحدوث مثل الجفاف والتصحر وتملُّح الأراضي؛ حيث تظهر التأثيرات على مدى شهور أو سنوات.
وتمثل الخسائر الناجمة عن تلك الكوارث تحدياً كبيراً لجهود التنمية، حيث إنها قد تُقوِّض في ساعات محدودة جهود سنوات طويلة من التنمية. وعلى الرغم من أن وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية المفاجئة والسريعة في الشرق الأوسط، تعتبر أقل مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، فإن شدة التأثير تكون أكبر وقيمة الخسائر تكون أعلى،
وبحسب تقرير حديث، تبذل الحكومات في الشرق الأوسط جهودا لتحسين استعدادها واستجابتها للكوارث الطبيعية، مثل إنشاء أنظمة للإنذار المبكر، وتحسين قوانين البناء وغيرها، إلا أن الاستجابة للكوارث الطبيعية في الإقليم غالباً ما تُعيقها مشكلات حادة ومزمنة من أبرزها، نقص الموارد، وضعف البنية التحتية التي عادة ما تتسم بأنها غير ملائمة وتفتقر إلى القدرة على الصمود في مواجهة الأخطار.
ويزيد من حدة ذلك التأثير وجود العديد من الصراعات والأزمات المتشابكة في المنطقة، مما يُفاقم من حالة عدم الاستقرار ويخلق أزمات إنسانية مُركَّبة وحرجة، وهو ما أظهرته بشدة تأثيرات كارثة الزلزال الأخير الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا وأبرز العديد من مكامن الضعف في إدارة مخاطر الكوارث بالمنطقة.
فبحسب تقرير لمركز المستقبل بعنوان (الجاهزية المفقودة: تقييم الاستجابة للكوارث بالإقليم بعد زلزال تركيا وسوريا) يوجد تركيز مرتفع لكل من السكان والأصول الاقتصادية في المناطق الحضرية، وهو ما يجعل الكوارث أكثر تدميراً، لاسيما في المناطق الساحلية. فنظراً للتضاريس الجبلية القاحلة في المنطقة، تتركز غالبية السكان على الشرائط الساحلية والوديان الجبلية وطول الأنهار.
ونتيجة لذلك، فإن نحو 92% من سكان الإقليم يعيشون على نحو 3% فقط من مساحته، مع وجود نمو سكاني كبير يجعل الشرق الأوسط واحداً من أسرع مناطق العالم في التوسع السكاني. ففي تركيا على سبيل المثال، يعيش نحو 75% من السكان في المناطق الحضرية والتي ما زالت تعاني ضعف تصميم المباني وعدم قدرتها على مقاومة مخاطر الزلازل وهو ما ظهر جلياً في خسائر الزلزال الأخير، وذلك على الرغم من الذكريات السيئة التي شهدتها تركيا في وقت ليس ببعيد عندما تسبب زلزال عام 1999 الذي بلغت قوته 7.6 درجة على مقياس ريختر في مقتل ما يقرب من 18 ألف شخص، وخسائر اقتصادية قُدِّرت بنحو 30 مليار دولار.
ويشير تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث في 2022 والصادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، إلى أنه في حالة استمرار الاتجاهات الحالية لأعداد الكوارث عالمياً، فإن تلك الأعداد قد تزداد سنوياً من حوالي 400 كارثة في عام 2015 إلى نحو 560 كارثة سنوياً بحلول 2030، إلا أن تصورات المخاطر لدى العديد من الحكومات والأفراد ما زالت قاصرة وتتسم بسوء التقدير حول التهديدات المحتملة وتداعياتها وما يمكن أن تؤول إليه من تحول تلك المخاطر إلى كوارث مدمرة. وقد فجَّرت جائحة "كورونا" أزمة صحية واقتصادية دولية كبيرة ما زال العالم يعاني آثارها ويحاول التعافي منها.
وأخيراً.. يحذر التقرير من زيادة مخاطر المناخ لوتيرة حدوث الكوارث الطبيعية وشدة تأثيرها خاصة في الدول النامية والأقل نمواً، حيث تهدد مخاطر التغيرات المناخية الأرواح وسُبل العيش والأمن البشري والتنمية المستدامة، ويتأثر بها السكان الأكثر ضعفاً وهشاشة والذين تعتمد سُبُل عيشهم على عدد أقل من الأصول ولديهم قدرة أقل على التكيف ويحتاجون إلى وقت أطول لإعادة البناء والتعافي.
وفي تقرير ذي صلة.. يحلل تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الذي نشره "المنتدى الاقتصادي العالمي"، بالتعاون مع "مارش ماكلينان" و"مجموعة زيورخ للتأمين"؛ المخاطر الشديدة الناشئة حديثاً والمتغيرة بسرعة، التي من المحتمل أن يواجهها العالم على مدى السنوات العشر القادمة، وكيف سيؤدي اتساع الشقوق الجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية إلى إثارة الأزمات القادمة وتفاقمها؛ وذلك بالاعتماد على رؤى أكثر من 1200 خبير وصانع سياسات في جميع أنحاء العالم.
ويمكن استعراض أبرز ما جاء في التقرير على النحو التالي:
- هيمنة أزمة تكلفة المعيشة في العامين المقبلين.
- تفاقم أزمة الديون السيادية على النطاق العالمي.
- تنامي خطر الحروب الاقتصادية بين القوى العالمية.
- توسع مخاطر حدة الاستقطاب المجتمعي داخل الدول.
- تزايد المخاطر الصحية عالمياً في ظل تفاقم الأوبئة.
- تراجع مستويات الأمن الإنساني خلال العقد المقبل.
- اعتبار مخاطر الأمن السيبراني مصدر قلق دولي مستمر.
- تفاقمأزمات التغيرات المناخية العالمية على المدى القصير.
- تزايد معضلة أزمة سلاسل التوريد على المستوى العالمي.
وأكد التقرير أنه لا تزال هناك نافذة لتشكيل مستقبل أكثر أماناً من خلال استعدادات أكثر فاعلية، تتطلب معالجة أسباب تآكل الثقة بالأنشطة المتعددة الأطراف، والقادرة على تعزيز القدرة الجماعية على منع الأزمات الناشئة عبر الحدود، والاستجابة لها، وتقوية الحواجز اللازمة للتصدي للمخاطر الراسخة.
اترك تعليق