تزايدت في الأونة الأخيرة مشاهد التدخين والمخدرات وشرب الخمور في الأعمال الفنية بشكل استنكره كثيرون لاسيما أنه لم تكن هناك أي ضرورة درامية لوجودها في أحيان كثيرة، ومؤخرا دعت الفنانة نهال عنبر مسئول لجنة الصحه بنقابة المهن التمثيلية لمنع التدخين في الدراما، وهو ما أثار ردود أفعال متباينة بين التأييد لرأيها أو رفضه .."
" ناقشت مع النقاد القضية واطلعت على آرائهم.

أنا أول من تحدثت عن التدخين في الدراما والسينما، لازم الفن يرتقي بالناس لان الممثلين قدوة عند الجمهور والمفروض نقدم لهم أعمالاً تبين اضرار التدخين وعدم التلوث والذوق العام بدلا من الاعمال التي يتواجد بها التدخين بلامبرر، فالفن لايتطلب ظهور التدخين بهذا الشكل فظهور التدخين في الشخصيات ماهو الا نمطية صنعها الفن، فحقيقة السينما الامريكية في وقت من الاوقات بدأت هذه الحكاية لانه كان هناك شركات تعلن وتدفع أجر للممثلين ولظهورهم بالتدخين كدعاية للشركة، فنقل هذا للسينما المصرية وأصبحت موضة في الاعمال السينمائية و الدرامية، لكنه مُنع لاحقاً في الأعمال والمقابلات، الفن عموما.. يقوم علي إعادة تقديم الواقع بصورة فيها الخيال والمبالغة.. وهناك شعرة بسيطة فاصلة بين تصوير الفعل القبيح بما يجعلنا نرفضه.. وبين أن يصوره في لحظات الاستمتاع والتفاخر والتدين كما يشيعون.
السيجارة مثلا ارتبطت على الشاشة بالمرأة المنحرفة في الكباريهات وفي نفس الوقت ارتبطت بالمتحررة أو أبناء الطبقة العليا ثم ضرورة ايجاد الرقص وإلا أصبح الشاب متخلفا لا يواكب عصره.. مثلما رأينا عمر الشريف في فيلم حكاية حب.. وهي أمور ساهمت في السينما بوجه خاص ثم الدراما التليفزيونية بعد ذلك في تجسيدها.. الأسطي لابد له من سيجارة في فمه ورجل الأعمال لا يتم اعتماده إلا بالسيجار.. والمعلم والشيشة كيان واحد لا يفترقان.. وإلا فقد شرطا من شروط المعلمة وكذلك اللجوء إلي البار والخمر أو منقوع البراطيش للفقراء عند الوقوع في أزمة..

لا طبعا قرار غير سليم بالمرة لأن ظهور التدخين في أحيان كثيرة له مبررات درامية قوية لا يمكن الاستغناء عنها وحتنزل بمستوي العمل الفني العبرة مش بالمنع إنما بازاي نوظفه صح و نبين أضراره و ما يؤدي إليه من نتائج سلبية على الإنسان و العائلة و المجتمع و بالمنع هنكون زي النعامة بندفن نفسنا في الرمل عشان مانشوفش الواقع اللي حوالينا و هو إرتفاع نسبة المدخنين في مصر بشكل كبير نتيجة عوامل كتير اجتماعية واقتصادية وثقافية مش بس أن البطل المدخن هو القدوة و النموذج و الدراما لازم تعكس الواقع بكل تفاصيله دون مبالغة بس دورها مايكونش الرصد بس و إنما تحليل الظاهرة من جذورها و بيان الأسباب و النتائج و طرح الحلول القاطعة ليها و زي ما بتشوف في الأعمال الفنية العالمية وجود المدخنين لكن بنسب قليلة وده اللي لازم كمان يبقي في مصر مش تدخين مكثف و متواصل بلا مبرر أو هدف فني لكن اللي لازم يمنع هو شرب الخمور و المخدرات و غيرها لان دي اشياء بيحرمها دينا بالنص كذلك منع كل أشكال الاسفاف و الابتذال و الهبوط الفني و ده الدور الاولي و الاهم للرقابة علما باني لست بمدخن و لم اكن يوما من المدخنين و من كاريهيها لكن العبرة عندي في العمل الدرامي بكافة أنواعه هو مدي مصداقيته في نقل الواقع و الرسالة الأخلاقية التي يدعو لها.

الدراما هي مرآة المجتمع تركز على السلبيات وتبرز الإيجابيات دون هتافات أو وعظ وإرشاد، ولهذا تنجح الدراما فيما يعجز عن فعله الدعاة وغيرهم من المصلحين ولقد أثارت الدراما في السنوات والعقود الأخيرة قضايا عدة مثلا ما نراه من أمور البلطجة والإدمان، بالطبع لا نعترض على تناول هذه القضايا ولكن كيف نتناولها فكثير مما عرض على الشاشات من أعمال بلطجة وعنف بالتفصيل شاهدناها عيانا من خلال جرائم في المجتمع الانتقام من شاب مثلا يجبرونه على ارتداء قميص النوم للحط من كرامته ولقد جاء هذا المشهد في أحد المسلسلات.. أيضا تفاصيل الإدمان والتعاطي هل من الضروري أن نأتي بكل التفاصيل الدقيقة من طريقة وأسماء للمواد المخدرة وطريقة تناولها بالتفصيل الممل؟ أعتقد أنه يجب أن نراعي تلك التفاصيل التي توضح طرق الانتحار وما شابه ذلك، في مجتمع تستشري فيه الأمية ويبحثون فيه عن أسهل طريقة للتعاطي أو الانتحار أو ما شابه ذلك فليس أيسر من الصورة الدرامية التي تتعلق بالأذهان ولا تغادرها، وإن كانت الفنانة نهال عنبر تطالب بعدم ظهور السيجارة أو التدخين في الأعمال الدرامية فبالتأكيد أنا معها وكل من يخشي على المجتمع وعلى شبابنا في مجتمع بات فيه الفساد والانحلال الخلقي أكثر من القيم، فالشاب أو الشابة يري قدوته في فنانه أو فنانته التي يميل إليها أو يقتدي بها سواء في الآداء أو في الشكل أو في الموضة وكذلك في الخلق. ولهذا ليس من الضروري أن أعبر عن كل انحراف بشكله الفج بكل تفاصيله نجد في فيلم أبو البنات في مشهد الاغتصاب نجد صلاح ذو الفقار وهو يدوس الوردة بقدميه وهو مشهد مؤثر في النفس أكثر من مشهد العري ذاته، في بداية ونهاية لم تتعر نفيسة التي مارست الرذيلة ولكن يأتي لنا المخرج بمشهد والرجل يلقي لها بعملة معدنية هزيلة وهي تعدل من شعرها المهوش .... إلخ. المشاهد العديدة غير المخلة وباالرغم من ذلك هي معبرة عن المحتوي الذي يريد العمل التعبير عنه، اليوم نري العري والفساد الأخلاقي على شبكات التواصل الاجتماعي والفتيات تخرجن بشكل عار بعيد عن الدين والخلق القويم وعندما يتم سؤالهن يبررن كل الفنانات ترتدي هكذا حاسبوهن.. حتي الرجال نجدهم يرقصون رقصا شرقيا من أجل الترند والمشاهدات وحفنة من الدولارات تري أين الأخلاق وأين نحن من الدين وأين الدراما الهادفة التي تصلح من حال المجتمعات فالدراما الحالية تعرض الممنوع أكثر من المسموح.. ونحن نقول لا للمشاهد الساخنة والعري والتعري ونؤيد الفنانة والنقابية نهال عنبر في منع التدخين والإدمان وكل مالا يليق ويستطيع المخرج الماهر أن يعبر عن المشهد دون إبراز السيجارة أو الكأس أو التعري ولا مبرر لهؤلاء جميعا في أن نصل بهذه المبررات لهدم المجتمع وإلي هذا الانحلال الخلقي فهل تهب الدولة والنقابة وضمير ووازع الفنانين حتي نقدم دراما راقية وهادفة.

تلعب الدراما دورا كبيرا في توجيه الراي العام والارتقاء بذوق وأخلاقيات المجتمع ونبذ كل ما يسيء للمجتمع من عادات سيئة مذمومة كالعنف والتدخين والمخدرات وهذا بالفعل الدور الحقيقي للدراما.. لكن هل معني هذا ان تقلع الدراما وتمنع كل العادات السيئة الموجودة في مجتمعنا.. بمعني أن تتوقف الدراما عن إظهار كل هذه الأشياء توقفت نهائيا بداية من التدخين والإدمان والشتائم والمشاهد العاطفية والعنف وغيرها من العادات التي نتمني أن تختفي من مجتمعاتنا.. والسؤال هنا.. إذا منعت الدراما ظهور هذه الأشياء هل ستختفي بالفعل من مجتمعاتنا؟ أنا أعتقد أنها لن تختفي بل ربما تزيد بشكل كبير على أساس ان الممنوع مرغوب.. ولكنني مع الفنانة نهال عنبر في عدم المغالاة والمبالغة في إظهار هذه المشاهد.. فمن واجب الدراما ان تنقل صورة للمجتمع ولكن أي صورة.. الصورة التي لا تمس وتخدش حياء المشاهد وتكون مبعثا لتغيير أخلاقياته، فلا مانع من إظهار المدخن ولكن ليس بشكل متكرر مبالغ فيه، كذلك المدمن هل المطلوب عدم ظهوره نهائيا علي الشاشة.. فإذا كان العمل يتناول شخصية المدمن مثلا هل أحذف هذه المشاهد من السيناريو؟ وماذا عن مشاهد العنف؟ اري أن السياق الدرامي والمعالجة والحبكة هى التي تحدد أهمية المشهد من ضرورة حذفه.. لذلك أنا لست مع حذف هذه المشاهد نهائيا وإنما عدم تكرارها بشكل مبالغ فيه بشرط ان يكون السياق الدرامي والهدف من العرض هو نبذ هذه المشاهد وبيان مخاطرها.
.jpg)
للاسف اري ان التدخين أصبح مشاعا جدا في الدراما التلفزيونية وكأنها من ضمن السيناريو، لكن طبعا هذا خطأ فادح، وأري أن يكون هناك لجنة متخصصة في هذه الأمور غير الرقابة المسؤولة عن المصنفات فهذه الرقابة مسؤولة عن ثلاثة أشياء وهم الدين أي احترام الأديان والأخلاقيات، والسياسة أي احترام النظم السياسية الموجودة في البلاد، والجنس أي عدم تجاوز في العري والجنس، لكن لايوجد رقابة داخلية كما كانت اللجنة في اتحاد الاذاعة والتليفزيون أيام ممدوح الليثي في قطاع الانتاج حيث كان التدخين الكثير وغير المبرر ممنوع في المسلسلات، فأتمني وجود رقابة من شركة المتحدة مسؤولة عن التدخين وضرب الأطفال والمرأة والكلام القبيح والعلاقات الأسرية، وأي تجاوز من المنتج عن هذه الشروط يتم عدم التعامل معه مرة أخري.

حقيقة هناك أولويات كثيرة المفروض مراعاتها في الأعمال الدرامية، فأنا أري أنه موضوع مستحيل أن يتم ففي الأعمال الدرامية التي في سياقها موضوع التدخين أو ما شابه ذلك يأتي علي أساس أن هذا يساهم في معرفة الشخصية الدرامية التي تقدم، لأن أغلب الممثلين يقومون بالتدخين فقط أمام الكاميرا لان السياق الدرامي يحتاج هذا. فحقيقة نحن نري هذا في الاعمال القديمة وفي أفلام الأبيض والأسود الذي كان يكون لخدمة الدور و العمل، أري أن هناك أشياء المفروض تُراعي في الأعمال الدرامية مثل التلفظ بالكلمات المسيئة والايحاءات اللفظية التي بدأت تنتشر بين الممثلين والممثلات في الأعمال الدرامية الي جانب المغالاة في اماكن التصوير "الفيلل والقصور" الفارهة والحياة المرفهة بشكل مبالغ فيه.

بالتأكيد مهم جداً ان صناع الأعمال الدرامية يوصل لهم القناعة ان فعلا الجمهور يتأثر بالتدخين وبأي نوع من المخدرات، حسب الدراسات التي أكد عليها صندوق علاج الادمان ان هناك جزء كبيرمن الجمهور يحب تقليد النجوم في هذا الموضوع.لكن صعب الانكار ان أحيانا الضرورة الدرامية قد تستدعي هذا، لكن لازم يكون ظهور السجائر على الشاشة في المشاهد التي تطلبها دراميا ودون افراط، أي ممكن أن نذكر ان الشخصية مفرطة في التدخين لكن من غير ظهورها، ويجب وجود نوع من الحلول الدرامية التي تقلل ظهور التدخين علي الشاشة ومشاهد تعاطي المخدرات بشكل أو بآخر.

أعتقد هذا رأي يجافي شروط العمل الفني وضروراته، بمعني أن الفن من المعاني انعكاس للواقع فكيف يمكن أن نطلب من صناع الدراما ألا يجسدوا شخصية تدخن في عمل من الأعمال الفنية على حين أنها كانت كذلك في الواقع أو يحتمل أن تكون كذلك؟ هذا بالضبط كأن تطلب عدم تجسيد شخصية شريرة في الأعمال الدرامية لأن المشاهدين يمكن أن يتأثروا بها، الفن بطبيعته يجسد الأخلاق على طريقته وليس بالطريقة المباشرة التي قد يتوقعها البعض، وإلا تحول الفن إلي نوع الوعظ الأخلاقي المبتذل، والفن أبعد ما يكون عن ذلك. بل هو بالضبط ضد ذلك.
اترك تعليق