بقلم الأستاذة الدكتورة روحية محمد عبد الباسط
أستاذ الإعلام و المسرح جامعة دمياط
من حواري قاهرة المعز وضواحيها إلى العالمية سلك طريقه بهدوء وحكمة وحس الكاتب المرهف المتعايش مع مجتمعه يشعر بكل نبضه فيه يدرك أماله وألامه يعلم بواطن النفس البشرية ومرجعتها التي جعلتها تختار طريقها مرغمة، كانت اعماله الأدبية تحمل في طياتها الأبيض و الأسود فإذا وجد الشر وجد الخير و إذا وجد الحب وجد الكره و اذا جد النور وجدت الظلمة إنه نجيب محفوظ المصري الذي حصل على جائزة نوبل عن أعماله الأدبية وبذلك وضع كل الأدب المصري محل نظر العالم كله و كذلك الفن المصري حينما تحولت أعماله الأدبية ورواياته إلى أعمال درامية كبيرة تم تقديمها من خلال السينما المصرية ثم شقت طريقها إلى عالم التليفزيون لتدخل كل البيوت المصرية من خلال الشاشة الصغيرة بعدما عرفها العالم من خلال الشاشة الكبيرة شاشة السينما.
وتعد ثلاثية نجيب محفوظ هي العمل الأهم و الأشهر لنجيب محفوظ (السكرية و قصر الشوق و بين القصرين)، دون نجيب محفوظ جزء كبير من تاريخ مصر في نسيج درامي عبقري من خلال أحداث الثلاثية كما قدم من خلال الثلاثية القيم المصرية القديمة الأصيلة التي كانت تميز المجتمع المصري انذاك وطبيعة العلاقة بين الأب والأم والأب والأبناء والبنات وغيرها من العلاقات المجتمعية.
ثم يأتي اللص والكلاب ليقدم لنا الشاب الفقير سعيد مهران الذي يعتقد أن صاحب القلم مرجع موثوق به هنا يظهر رؤوف علوان ليضع داخله فكرة غير صحيحة هي أنه من حقه أن يحصل على ما يريد بأى طريقة حتى لو بالسرقة و يهديه مجموعة من الكتب تحمل نفس الفكرة يقتنع سعيد مهران و يتحول إلى سارق محترف و لكن للأسف عندما وقع سعيد مهران و دخل السجن و خرجه منه و عامله الجميع على أنه خارج عن المجتمع أصبح فريسة لرؤوف يستخدمها لصنع مجده الصحفي و تحول من كونه صديق قديم إلى عدو لدود و وسط كل هذا الظلام يأتي النور من خلال المغنية الفقيرة الوحيدة تفتح له قلبها و بيتها بعد أن تحول إلى مجرم هارب خارج عن القانون قدمت له الدعم و الحب و السكن في حين تخلت عنه زوجته و تزوجت من زميله و ذراعه اليمني الذي ساعده مهران و جعله يرتدي َملابسه و يأكل من طعام بيته.
هكذا كانت أعماله كل وجه له وجه أخر فكانت الأضداد هى الوسيلة التي يستخدمها في أغلب رواياته كما كان يركز على طبيعة النفس البشرية وخلفياتها المجتمعية والإقتصادية و التعليمية كما نرى صابر الرحيمي في رواية الطريق لنجيب محفوظ يدفع ثمن استهتار أب و أم ظن نفسه يتيم و عاش مع أمه التي وفرت له الحياة الوثيرة و منحته المال الكثير لم تعلمه لم تعده للمستقبل ثم تموت الأم و تتركه فقير فيبحث عن والده الذي عرف من أمه أنه غني و لا زال على قيد الحياة و تطلب منه أن يبحث عنه و لكن ليس معه مال و لا تعليم و لاخبرة و في رحلته يقابل صاحبة الفندق التي يقع في حبها و ترغمه بطريقتها على أن يقوم بقتل زوجها العجوز لتحصل على ملكية الفندق و تتزوجه و في نفس الوقت يقابل فتاة طيبة و متعلمة يجد معها العالم الأخر الذي لم يقدر له ان يعيشه من قبل حيث العمل و الإجتهاد والمثابرة و الحب الصادق يكذب عليها كثيرآ ليعيش معها لحظات الصدق التي لم يعرفها من قبل و لكن في النهاية تقدمه هي للعدالة عندما تعلم بفعلته.
كان يحرص في كتاباته على إبراز جوانب الحياة المختلفة و كأنه يقول لكل قارئ ابحث عن الخير وسط الشر ابحث عن النور وسط الظلمة لا تستسلم و تيأس.
تمر الأيام و لا يزال نجيب محفوظ علامة من علامات الأدب المصري التي لم و لن ينساها التاريخ.
وفي ذكرى نجيب محفوظ أتمنى أن تبحث الأجيال الجديدة عن رواياته لتقرأها لأنها تحمل ملامح الهوية المصرية لنعود بالشباب إلى مصريتهم وهويتهم.
القراءة تجعلنا نعيش حيوات لم نعشها وتغرس داخلنا قيم وتعدل سلوكيات وتمنحنا خبرات لذلك أتمنى أن يطلع شباب اليوم على روايات الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ ليروا ملامح مصر القديمة من خلال عبقريات نجيب محفوظ.
اترك تعليق