شهدت انتخابات التجديد النصفي الأمريكية. مشاركة تعتبر الأعلي في تاريخ الولايات المتحدة. وهو ما ينطوي علي عدد من الدلالات أهمها تزايد حالة الاستقطاب السياسي في أكبر ديمقراطيات العالم.
فقد أدلي ما يزيد علي 41 مليون ناخب بأصواتهم في فترة التصويت المبكر . وهو الرقم الذي تجاوز العدد المسجل في 2018.
وتجدر الإشارة إلي أن 39 مليون ناخب أمريكي أدلوا بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت قبل أربع سنوات. واعتبر أنذاك الرقم الاعلي في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
لكن انتخابات التجديد النصفي العام الجاري. سجلت أكبر مشاركة في تاريخ الولايات المتحدة. سواء في فترة التصويت المبكر. أو التصويت الرئيسي الذي انطلق يوم الثلاثاء. لاختيار كامل أعضاء مجلس النواب المكون من 435 مقعد. وثلث مجلس الشيوخ المكون من 100 مقعد. و36 حاكم ولاية من الولايات الخمسين.
ويرجع الارتفاع غير المسبوق في المشاركة بانتخابات التجديد النصفي العام الجاري 2022. إلي السباق المحموم بين أكبر حزبين في الولايات المتحدة. الديمقراطي والجمهوري. علي استقطاب الناخبين الأمريكي خلال حملات انتخابية حاشدة بلغ الانفاق عليها من كلا الحزبين 16 مليار دولار.
وتكتسب انتخابات التجديد النصفي أهمية كبيرة في تاريخ الاستحقاقات الأمريكية. ياعتبارها استفتاء علي أول عامين للرئيس الأمريكي. وبروفة للانتخابات الرئاسية المقررة بعد عامين.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل التصويت الرئيس الانتخابات التجديد النصفي. تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي جو بايدن لدي الناخبين الأمريكيين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم. وقد شارك الرئيس الديمقراطي بقوة في حملات الحشد الديمقراطية. للدفاع عن أدائه خلال أول عامين من ولايته.
ولعل تدني معدلات الرضا الشعبي الأمريكي عن أداء الرئيس الديمقراطي. انعكس أيضا في استطلاعات الرأي التي رجحت خسارة الديمقراطيين انتخابات التجديد النصفي. لصالح الجمهوريين الذين استغلوا الاضطراب الاقتصادي في الولايات المتحدة في تعبئة الشارع الأمريكي لصالحهم.
كما استغل الجمهوريون رفض الشارع الأمريكي مساعدات واشنطن المتواصلة لاوكرانيا.. وتعهدوا بالعمل علي وقفها حين الفوز بالأغلبية في غرفتي الكونجرس النواب والشيوخ.
وكان للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. انتخابات التجديد النصفي هذه المرة. دورا كبير في حملات الحشد الجمهورية. واستمالة الناخبين الأمريكيين.. فقد جاءت انتخابات التجديد النصفي بمثابة فرصة ذهبية لكيل الاتهامات للديمقراطيين. وتأكيد عزمه خوض سباق الرئاسة الأمريكية في 2024.
كما يعتبر فوز الجمهوريين بانتخابات التجديد النصفي. طوق نجاة لترامب الذي يواجه اتهامات بالتورط في حادثة اقتحام مبني الكابيتول قبل عامين. ولعل هذا هو الدافع القوي وراء حرص ترامب علي المشاركة الدؤوبة في الحملات الانتخابية للجمهوريين. وحشد الناخبين لصالحهم.
وغير ذلك. أقبل المواطنون الأمريكيون بكثافة علي التصويت في انتخابات التجديد النصفي هذه المرة لأنها جاءت في عام شهد اضطرابا اقتصاديا. وتذمر شعبي من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.
ويراقب العالم الاتجاه الذي سيسير فيه الاقتصاد الأمريكي وسط توقعات بسقوطه في حالة ركود عام 2023 وان يشهد الدولار مزيداً من الضعف ويتصدر الاقتصاد اهتمامات الناخبين في وقت يتباطأ الانفاق الاستهلاكي ولا يزال التضخم مرتفعاً عند 8.2% رغم رفع سعر الفائدة.
ارتفاع الأسعار
وأمام هذا المشهد السياسي المختلط حسب وصف صحيفة وول ستريت جورنال يبدو من الصعب للغاية التنبؤ بنتائج انتخابات التجديد النصفي حسب تعبير جوناثان برنيستاين كاتب الرأي السياسي في مجلة بلومبرج وأستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة تكساس الأمريكية.
ورأت مؤسسة جالوب الأمريكية المتخصصة في التحليل السياسي واستطلاعات الرأي إن البيئة السياسية لانتخابات منتصف الولاية 2022 ينبغي أن تصب في صالح الحزب الجمهوري.. مبررة ذلك بعدة عوامل بينها مستوي رضا الأمريكيين عن أداء الرئيس الحالي جو بايدن.
ويلقي الجمهوريون باللوم علي إدارة بايدن في ارتفاع الأسعار وزيادة الجريمة وهما من أهم مخاوف الناخبين لكن عشرات المرشحين رددوا أيضا اتهامات أطلقها ترامب دون أساس بأن التزوير هو سبب هزيمته في انتخابات 2020. وقد ينتهي الأمر ببعضهم حكاما أو مسؤولي انتخابات في ولايات حاسمة ويلعبون دورا مركزيا في السباق الرئاسي لعام 2024.
ألمح ترامب مرارا إلي أنه قد يترشح للرئاسة مرة أخري وفي تجمع حاشد لدعم المرشحين الجمهوريين في أوهايو قال ترامب إنه سيصدر إعلانا في منتجع يمتلكه في فلوريدا بعد أسبوع من الانتخابات.. قائلا سأصدر إعلانا مهما للغاية يوم الثلاثاء 15 نوفمبر في مار الاجو في بالم بيتش بولاية فلوريدا.
وعلي الرغم من الوفاء بوعود الحملة الانتخابية بتعزيز البنية التحتية والطاقة النظيفة فقد استاء العديد من الأمريكيين من قيادة بايدن ويوافق 39 بالمئة فقط من الأمريكيين علي أدائه في المنصب
وجعل تراجع شعبية بايدن منه ضيفا غير مرحب به في أكثر السباقات تنافسية وتحدث أمس الاثنين في ولاية ماريلاند المحسومة عادة لصالح الديمقراطيين حيث من المتوقع علي نطاق واسع أن يستعيد المرشح الديمقراطي لمنصب الحاكم ويس مور المنصب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
وإذا فاز الجمهوريون في مجلس النواب أو الشيوخ فسيقضي ذلك علي جهود بايدن للحفاظ علي حق الإجهاض ومزايا اجتماعية أخري ضمن أولويات الديمقراطيين في الكونجرس كما أنه سيفتح الباب لتحقيقات يقودها الجمهوريون من شأنها أن تلحق الضرر بالبيت الأبيض ويمكن لمجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون أيضا منع ترشيحات بايدن للمناصب القضائية أو الإدارية.
وإذا حصل الجمهوريون علي أغلبية في مجلس النواب فإنهم يخططون لاستخدام سقف الدين الاتحادي وسيلة ضغط للمطالبة بتخفيضات كبيرة في الإنفاق وسيسعون أيضا إلي جعل التخفيضات الضريبية للأفراد التي أقرها ترامب في عام 2017 دائمة وكذلك إلي حماية التخفيضات الضريبية للشركات التي حاول الديمقراطيون إلغاءها دون جدوي خلال العامين الماضيين.
كما أن السيطرة علي الكونجرس ستمنح الجمهوريين سلطة منع المساعدات لأوكرانيا لكن من المرجح أن يبطئوا أو يحدوا من تدفق الأسلحة والمساعدات الاقتصادية إلي كييف بدلا من ايقافها.
اترك تعليق