معروف أن الكذب حرام . ولكن هناك أمور قد يلجأ فيها الانسان سواء أكان رجلاً او امرأة للكذب منعاً للمشاكل وبدون وقوع ضرر علي الطرف الآخر خاصة إذا كان الطرفان زوجين. ويسعيان إلي استقرار وهدوء حياتهما الزوجية . فهل في هذه الحالة يصبح الكذب مباحاً وبصفة خاصة إذا كان أحد الزوجين يتصف بعدم التفاهم او الانفعال لأتفه الأمور أو عدم تفهم وتقدير الحقائق التي قد تتعلق بمستقبل الابناء أو زيارة الأهل أو أي شئ لا يعود بالضرر علي الطرف الآخر؟
هذا الموضوع كان مثار حديثنا مع خبراء علم النفس والاجتماع والعلاقات الأسرية لمعرفة آرائهم التي نعرضها في هذا التحقيق.
عدم احترام.
تقول د. رحاب العوض "أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة" :الحلال والحرام ليس تخصصي لأجزم به ولكن اعلم ان الكذب علي الشريك في شيء يخصه هو خيانة واستغلال له وعدم امانة وعدم احترام. والفكرة انه لابد ألا يكون اصلا هناك كذب بين الشريكين ازواجا او اصدقاء او مخطوبين فيما يخص الطرفين بمعني أنه اذا كان اللكذب فيما يخص امراً مشتركاً فلا يصح الكذب لانه نوع من الخيانة. اما اذا كان امراً يخص طرفا ثالثا فالأولي ان يضع كلا الطرفين حدودا وخطوطا حمراء للتدخل. وبمعني أخر أنه إذا كان امراً يخص ابن الاخ او الاخت او يخص معاملات مالية اسرية فانها امور لا تخص احد الزوجين بشكل مباشر ولهذا فالافضل وضع الحدود افضل بدلا من البحث عن كذبة او رواية وهمية لعدم الحديث عن هذا الامر خاصه اذا كان الامر يخص الاسرة والزوجين.
أضافت إنه اذا حدثت ازمة فلن يكون حلها بالكذب والخداع بل يكون حلها بالاعتذار والمواجهة والاعتراف بالخطأ والتسامح. فالكذب بين الطرفين مستحيل أن يكون حلا للمشكلة بل يمكن ان يظل عقدة ومشكلة لا يتخطاها او طرف.
وتقول د. خلود زين "استشاري العلاقات الأسرية والاجتماعية": هناك حديث للرسول الكريم اباح فيه الكذب في ثلاثة مواضع اولها كذب الزوج علي الزوجة ليرضيها كأن يقول لها انه يحبها وانها جميلة وغير ذلك. والموضع الثاني للاصلاح بين الناس كان يكذب طرف ثالث للاصلاح بين طرفين متخاصمين والموضع الثالث الكذب في الحرب. أما الكذب عموما فيما يتعلق بشئون الأسرة فانه يؤدي الي مشكلات خطيرة . كأن ترفض الزوجة ذهاب زوجها لزيارة أمه فله هنا أن يكذب عليها ويقول انه لم يذهب لزيارة أمه لكي لا تحدث مشكلة . والأمر نفسه بالنسبة للزوجة التي يرفض الزوج أن تكلم امها . فلها هنا أن تكذب عليه وتقول انها لم تكلم امها اتقاء للمشاكل التي قد تحدث اذا علم أنها كلمتها. فكلامها مع امها بنية الاطمئنان عليها وبرها.
أضافت: إن الامور المفروضة من الله ويرفضها الزوج فمن المباح عدم ذكر الحقيقة فيها . أما الكذب في أمورالاسرة وشئون الاولاد وفيما يخص المنزل وشراء وبيع فيؤدي الي اضرار خطيرة. ولا يصح الكذب في أمور قد تنكشف فيما بعد وتؤدي الي مشكلات نفسية كبيرة بين الزوجين وقد تستمر كثيراً.
أشارت إلي أن الطرف الآخر قد يفقد الثقة والامان تجاه الطرف الاخر ويبدأ الشك في كل تصرفات الطرف الاخر وتصبح الحياة الزوجية علي وشك الانهيار باعتبار ان الذي كذب مرة سيكذب الف مرة.
ويقول د. جمال فرويز "استشاري الصحة النفسية":الكذب كله حرام فالرسول الكريم يقول "مازال العبد يكذب ويكذب حتي يكتب عند الله كذاباً". فأي كذب مرفوض وحرام. واذا اكتشف الطرف الثاني انه انخدع بالكذب سيتأثر نفسيا وربما انعكس ذلك علي علاقة الطرفين ببعضهما. وهناك شخصيات عقلانية بعض الشئ تستطيع تفهم الكذبة والنية منها وتتعامل مع الامر بصورة هادئة . ولكن هناك شخصيات تشككية وتأخذ الأمور بكثير من الشك وبصورة مبالغ فيها وقد تصل الي حد الطلاق حتي لو كانت الكذبة بيضاء . فمعظم الخلافات الزوجية اساسها الكذب . فالأمر يتوقف علي شخصية الطرف المقابل سواء أكان الزوج أو الزوجة.
أضاف: ليس هناك كذب مباح وكذب غير مباح إلا في حالة الصلح بين الزوجين وتقريب وجهات النظر حتي تصبح الحياة بينهما مستقرة. فلابد أن تكون هناك صراحة في كافة الأمور بين الزوجين بعيدا عن الخداع.
أشار إلي أنه من الأفضل لكل من الزوج أو الزوجة التعامل بمنتهي الصراحة في كل امور حياتهما الزوجية ومواجهة الحقائق بالتفاهم حتي لا يلجأ طرف للكذب علي الطرف الآخر . وإذا كذب أحدهما مرة سوف يكرر الكذب وقد تكون عواقب ذلك وخيمة اذا اكتشف الطرف المكذوب عليه أنه كان مخدوعا برواية غير حقيقية. مما يؤثر علي العلاقي الاسرية في النهاية.
حكم الدين
الكذب محرم في الأصل. لكنه قد يجوز وقد يجب. فإن أمكن الاستغناء عنه كان ذلك واجبا. والإباحة مشروطة بألا يترتب علي هذا الكذب إضاعة حق لأي من الطرفين أو غيرهما.
روي الإمامانپالبخاري ومسلمپمن حديثپأم كلثوم بنت عقبةپرضي الله عنها. أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:پ"ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا".پوزادپمسلمپفي روايته:پ"وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءي مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبى إِلاّ فِي ثَلاَثي: الْحَرْبُ. وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ. وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ. وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".
ورأي بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب علي ما ورد به النص في الحديث. ولكن أجازه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير. يقولپابن الجوزيپما نصه:پ"ضابط الكذب أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا. وإن كان واجبا فهو واجب".
وقالپابن القيمپفي "زاد المعاد":پيجوز كذب الإنسان علي نفسه. وعلي غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلي حقه. كما كذب الحجاج بن علاط علي المشركين حتي أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب.
وقالپالإمامپالنووي:پاعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار. ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلي المقاصد. فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه. وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب.
ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا. وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.
اترك تعليق