هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

دار الافتاء.. تواجه الطلاق!!

حملات لتأسيس أسرة مصرية متماسكة وأكثر استقراراً
د.شوقي علام: نسعي إلي كل وسيلة تؤدي لدعم الترابط الأسري
نأمل ظهور مؤسسات متخصصة في تدريب المقبلين على الزواج

أكدت دار الإفتاء المصرية أن السنة النبوية المطهرة دعت إلي تيسير أمر الزواج والحض عليه عند الاستطاعة. فقال صلي الله عليه وآله وسلم في النصيحة الشريفة: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. إلَّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".


من هنا أعلنت الدار عن انطلاق حملة إلكترونية بداية شهر أكتوبر الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها "فيس بوك ـ تويتر ـ انستجرام ـ تليجرام" وذلك للمساهمة في تأسيس أسرة مصرية متماسكة وأكثر استقرارًا، بجانب معالجة الخلافات داخل الأسرة، ومن ثَمَّ الحد من انتشار نِسَب الطلاق في المجتمع وذلك بمعالجة أسباب هذه الظاهرة وآثارها السلبية، وإيراد جملة من النصائح والإرشادات التي تصلح أن تكون أساسًا متينًا لبناء علاقة قوية متماسكة بين كلا الزوجين.


الحملة تتضمن بناء الوعي اللازم للشباب المقبل على الزواج من خلال توزيع الأدوار في الأسرة على وجه التكامل والانسجام، بما يحفظ للأسرة استقرارها، ويحصنها من الوقوع في الأزمات والمشكلات.. كما تقدم دار الإفتاء الدعم المعرفي والمهني للعمل على نجاح الأسر في تحقيق أهدافها نحو السعادة والرفاهية وتحصين بيت الزوجية ووقايته من التعرض للعواصف والمخاطر التي قد تهدد استقراره، وذلك بتقديم إجراءات عملية لمواجهة المشكلات وحلها.

ذلك دار الإفتاء تؤكد على ترسيخ مبدأ الفضل والإحسان في التعامل بين الزوجين، وما له من أثر على إرساء معاني الود والتراحم وتفعيل الشراكة والتعاون والتكامل بين الأزواج. لتأسيس العلاقة بينهم على المسؤولية والاحترام مع تجسيد الآداب الاجتماعية في صلة الأهل والجيران والأقارب، وبيان حدود هذه العلاقات وبناء القدرة على إدارة رشيدة لميزانية الأسرة، من خلال الموازنة بين الدخل والإنفاق، وما في ذلك من الوقاية من الأزمات الاقتصادية، وطرق التعامل معها حال حصولها.. إلي جانب إرشاد الزوجين إلي كيفية تربية الأولاد. والتعامل معهم نفسيًّا وسلوكيًّا، واجتماعيًّا، فالأسرة هي بيئة الأبناء الأولي، ويؤثِّر استقرارها في تكوين سماتهم الشخصية وسلوكهم تجاه غيرهم بالإضافة إلي ربط الزوجين بالإيمان بالله سبحانه وتعالي بما يضمن للأسرة استقرارها ورقيها وسعادتها.

آثار مدمرة


يقول فضيلة الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن قضية الطلاق تُعد من أكثر القضايا التي تؤرق المجتمع، لما لها من آثار وخيمة مدمرة علي الأسرة المصرية وعلى المجتمع كله، الأمر الذي يستلزم منا جميعًا وقفةً جادةً لرفع درجة الوعي عند المواطنين بمخاطر الإقدام علي الطلاق عند استحالة العشرة. وما يترتب عليه من آثاري اجتماعية خطيرة لا تخفي علي أحد. فهي قضية وعى في المقام الأول.


أضاف فضيلته أن الشرع الشريف أرشد الزوجين إلي عدم التسرع في قطع رباط الزوجية عند وقوع أي مشكلة أو مواجهة العقبات. بل ينبغي لهما التمسك به. وذلك من خلال إجراءات وقائية مبكرة، وهي ضرورة المعاملة بالرفق والرحمة، وحسن الظن، والمشاركة في تحمل أعباء الحياة، ومراعاة كل طرف لظروف الآخر.

ولفت فضيلة المفتي النظر إلي أن دار الإفتاء تتخذ عدةَ تدابير وقائية من أجل تحصين بناء الأسرة.. حيث أطلقت في الأعوام الأخيرة عدة برامج متخصصة في هذا الشأن، كبرنامج "تأهيل المقبلين على الزواج" الذي يهدف إلي توعية المقبلين على الزواج، وكذلك إنشاء وحدة متخصصة للإرشاد الأسري حيث تحال عليها المشكلات من إدارات الفتوي المختلفة، وكذلك إدارة فض المنازعات الأسرية، ويتمُّ في جلسات الإرشاد الأسري بحثُ مسائل الطلاق، بحضور ممثل شرعي من دار الإفتاء، إلي جانب متخصصين في علم النفس والاجتماع، فضلًا عن رصد أهم المشكلات والمستجدات المتعلقة بالأسرة، خاصة الطلاق لدراستها والعمل علي حلِّها بإيجاد معالجة شرعية من خلال اعتماد اختيارات فقهية تعدُّ مخارجَ شرعية لكثير من حالات الطلاق. مراعاةً لأحوال الناس. وتحقيقًا لمصلحة بقاء العلاقة الزوجية.


وحول يمين الطلاق أشار فضيلة المفتي أنه يأتي إلي دار الإفتاء شهريًّا ما يقرب من 4000 - 5000 فتوي طلاق. أغلبها عبارة عن أيمان وحلف بالطلاق. يقع منها واحد في الألف وربما لا يقع منها شيء. وذلك لأن علماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة هل كان هذا طلاقًا واقعًا أم يمينَ طلاق؟ وذلك من خلال خبرتهم المتراكمة التي تلقَّوها عن مشايخهم ولا توجد في الكتب.

كما أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن التعامل مع حالات الطلاق يتم وَفق طريقة منظمة ومنضبطة تمر بثلاث مراحل، تبدأ بتعامل أمين الفتوي معها، فإذا لم يتيسر الحلُّ للسادة أمناء الفتوي بوجود شك في وقوعه تحال على لجنة مختصة مكونة من ثلاثة علما، وإذا كانت هناك شبهة في وقوع الطلاق، تحال عليه شخصيًّا، وربما يستضيف أطراف واقعة الطلاق في مكتبه للتأكد من وقوع الطلاق أو لإيجاد حل. وهذا من باب المحافظة على الأسرة التي هي نواة المجتمع.


طالب مفتي الجمهورية الأزواج إذا ما عزموا الطلاق أن يكتفوا بطلقة واحدة، حتي يكون لديهم الفرصة لمراجعة زوجاتهم إذا صفي الأمر بينهما. فالقانون المصري يحتسب الطلاقَ طلقة واحدة إذا لفظه الزوج ثلاثًا، حفاظًا على الأسرة.. مشيرًا إلي أن المأذون إذا شكَّ في حالة طلاق فلابد أن يُحيل السائل على دار الإفتاء لحل الإشكال. ونحن من جانبنا إذا وقع الطلاق نقول للزوج: لابد من الذهاب إلي المأذون وتوثيق الطلاق.

وقد أطلق د. شوقي علام مبادرة بضرورة تأهيل المأذونين علآ التحقيق في الطلاق قبل إثباته في الوثيقة الرسمية لمواجهة ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق الموثق، واتباع الطرق الشرعية الكفيلة بضمان توثيق الطلاق، وقد شملت تدريب أكثر من 900 مأذون بديوان وزارة العدل علي مدار خمسة أيام.

نصح المفتي الزوجين بأن يحرصا على استمرار العلاقة الزوجية ورعايتها وأن يقوما بحل المشكلات التي تواجههما بالحكمة، وألا يستخدم الزوج كلمة الطلاق إلا لعلاج مشكلة زوجية يستحيل معها استمرار الحياة الزوجية، وألا يجعل الزوج كلمة الطلاق في مواقف عابرة وفي غير موضعها.


أكد د. علام أن المقصد الأسمي من الزواج هو توفير السكن، بمعني الطمأنينة والمودَّة والرحمة وتحقيق الوئام وحصول التوافق في العلاقة الزوجية بين الزوجين. وقد أرسي الشرع الشريف للأسرة الأسس المتينة والآداب الحكيمة الضابطة لهذه العلاقة ذات الميثاق الغليظ. حتي تكون بمراعاتها موضع سكينة واطمئنان، ومحل هدوء وسعادة للزوجين.. فالزواج من سنن الحياة وعاداتها الرشيدة المتوارثة، وقد كان النبيُّ صلي الله عليه وسلم يحثُّ على الزواج، ويعين عليه، ولما كان الزواج من الأهمية بمكان بحيث لا يهمل ولا يفرط فيه، كانت الوسائل المؤدية إليه لها نفس المكانة، ولما كانت الفطرة داعية إليه والغريزة مؤدية إليه كان الأمر به على سبيل الندب ليكون من العبادات التي يُثاب عليها الإنسان، بل لقد بوَّبه كثير من الفقهاء في قسم العبادات. وبذلك تتجلَّي فوائد الزواج ومبرراته، فليس مقصوده في حقيقة الأمر المتعة وحسب، بل المقصود منه إلي جانب ذلك المحافظة على الإنسان وتحقيق التناسل وبقاء النوع الإنساني، وتحصين النفس وصيانتها عن الفاحشة، وكذا عصمة الشباب، ويكون به التأنس والسكن الروحي والنفسي وفرح النفس وسط شدائد الحياة ومتاعبها. وهو ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالي: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتي لِقَوْمي يَتَفَكَّرُونَ" ـ الروم: 21

أسباب الطلاق

شدَّد فضيلته على أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها أصبح أحد العوامل المسببة لزيادة حالات الطلاق طبقًا لما أثبتته عدة دراسات اجتماعية وإحصائية، حيث انكفأ كلُّ واحد من الزوجين أغلب أوقاته على جهازه وعالمه الافتراضي الخاص، واتخذه متنفسًا له في تعدد العلاقات والصداقات التي تضر كيان الأسرة. وكذلك نشر مختلف أحوال حياته وشئونه الخاصة.


وأضاف فضيلة مفتي الجمهورية أنَّ أسباب وقوع الطلاق لا يشترط توافرها جميعًا في كل الحالات، بل لكل حالة ظروفها التي تختلف بها عن غيرها، ومن أسباب حدوث المشاكل الأسرية كذلك الجهل بالحقوق الزوجية. وكذلك التدخل الخاطئ للأهل والأقارب في الحياة الزوجية لأبنائهم، مؤكدًا أن هذا السبب من أشهر أسباب الطلاق في السنوات الأولي من الزواج كما هو وارد في الإحصاءات المعتمدة، فعلي الأهل والأقارب التدخل بشكل إيجابي فقط إذا تطلب الأمر ذلك وظهر عجز أحد الطرفين عن التصرف بحكمة.

وشدد فضيلة المفتي على أن الخلافات الزوجية ينبغي أن تعالَج في الغرف المغلقة، وهناك فن لإدارة هذه الخلافات يجب اتّباعه، وفي حالة عدم الوصول إلي حلول يجب أن نلجأ إلي أشخاص لديهم الخبرة والصلاحية لحل هذه المشكلات.

قال الدكتور علام: نحن في حاجة إلي كل وسيلة تؤدِّي إلي استقرار الأسرة، ونأمل بظهور العديد من المؤسسات المعتمدة والمتخصصة في تدريب المقبلين على الزواج، والإرشاد الزواجي.. ولقد تنبَّهنا في دار الإفتاء إلي خطر الطلاق المبكر، لذلك أنجزنا جملةً من المبادرات لعلاج هذه الظاهرة، منها دورات المقبلين على الزواج، وهذه الدورات لا تغطِّي الجانب الشرعي فقط، ولكن يدخل فيها الجانب النفسي والاجتماعي، وفتحنا مركز الإرشاد الزواجي بدار الإفتاء، وهناك لجنة مشتركة من الطب النفسي والمتخصص في الشريعة وغيرها من الجوانب، ونجحنا في احتواء الكثير من المشكلات الأسرية.


وشدَّد فضيلة مفتي الجمهورية علي أنَّ مسئولية استقرار الأسرة هي مسئولية مشتركة بين الزوجين، فهما شريكان في مواجهة التحديات الأسرية الطارئة، كما أنَّ القوامة تعني مسئولية الرجل عن الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد إن وجدوا، ولا ترتب بحالي حقًّا يتسلط به الرجل على المرأة، بل قد حثَّ الشرع الشريف الزوج على طلب مشورة زوجته في شئون تدبير العائلة، فإن التشاور يظهر الصواب ويحصل به التوافق بينهما، فالشوري ليست قاصرة على أنظمة الحكم، بل تشمل مشورة الزوج مع زوجته كما فعل النبي الكريم مع أزواجه.

أضاف أن التعاون الصادق والمثمر بين الزوجين يُعَد من أقوي دعائم الحياة الاجتماعية السليمة بين الزوجين، فالزوج الناجح والزوجة الناجحة هما من يتفقان على إدارة ناجحة للبيت، وهذا الأمر مقصد أصيل من مقاصد عقد الزواج.

أشار إلي أن المبادرة الرئاسية التي تُعْنَي بتقديم الدعم للشباب والفتيات المقبلين على الزواج بتوفير منزل مُجَهَّز للسكن لمَن أراد الزواج ودعمه من الجهات المختصة، هو أمر محمود شرعًا. ومن جملة ما حث عليه الشرع الشريف وحَض عليه. وجدير أَن يتوفر له الدعم والتمويل من جميع جهات التبرع والصدقات والزكاة. وقد نص فقهاء المالكية والحنابلة على أنه يجوز إخراج أموال الزكاة والصدقات والتبرعات مساعدةً لمن أراد الزواج وهو عاجزى عن تكاليفه.

واستشهدت الدار كذلك بما فعله الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز الذي أمر مناديًا ينادي في الناس ويقول: أين المساكين؟ أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ حتي أغني كل مِن هؤلاء، وذلك ليعطيهم من بيت مال المسلمين.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق