أكد د.رضا عبدالسلام الخبير الاقتصادي ومحافظ الشرقية الأسبق أن العالم يعيش اليوم أزمة مالية واقتصادية أخطر وأعمق من أزمة الكساد العظيم" ذلك أن الركود التضخمي أزمة مزدوجةلا تجد حلاً " فعلاج التضخم يزيد الركود وعلاج الركود يزيد التضخم.
أضاف د.عبدالسلام أن أزمة النظام المالي العالمي كشفت خللاً رهيبا في النظام الاقتصادي العالمي وفي أداء مؤسساته الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين و عجزهما عن ابتكار أي حلول لتلك الأزمة وتكريسهما للهيمنة الأمريكية علي العالم.
أوضح د.عبدالسلام أن صندوق النقد أثقل كاهل الدول النامية بالديون ولم يفلح في إنقاذها" وهو ما قاد بعض الدول للإفلاس وهناك دول أخري في المنطقة معرضة للمصير نفسه..كما أن الدين العالمي تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة متخطياً حاجز الـ230 تريليون دولار. متجاوزاً الـ 250% من الناتج الإجمالي لبعض الدول.
أشار د.عبدالسلام إلي أن هناك نظاماً مالياً عالمياً جديداً يتشكل الآن قوامه 5 دول "الصين. روسيا. الهند. البرازيل. جنوب أفريقيا" وهي أعضاء مجموعة البريكس التي يتبعها بنك التنمية الذي تجاوزت قروضه 10 تريليونات للدول الأعضاء وغير الأعضاء بالمجموعة.
أكد أن بوتين ورفاقه يسعون لتشكيل نظام مالي دولي أكثر عدالة وتوازناً وهو ما قد يسهم في علاج أخطاء النظام الحالي" فأمريكا غير معنية إلا بحل أزماتها هي فقط حتي لو الثمن هدم اقتصادات الدول الأخري
يقول د. رضا عبد السلام أن النظام العالمي يمر بمرحلة مخاض كبيرة . لا تتكررإلا كل مائة عام تقريباً . ومرحلة تشكل نظام عالمي جديد . فبعد الحرب العالمية الثانية تكون النظام الحالي بقيادة الولايات المتحدة بإمكاناتها الاقتصادية وعملتها الدولار . وقد ساد حتي اليوم علي مدي 100 عام شهد العالم خلالها تقلبات كبيرة جداً وعاش حالة القطبين إلي أن تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1989 ليبقي تحت لواء القطب الأوحد "أمريكا" ويعايش أزمات سياسية واقتصادية وأمنية وبيئية واجتماعية حتي وصل مؤخرا لأزمات عديدة منها تغير المناخ الذي سوف تستضيف مصر نهاية هذا العام مؤتمر الأمم المتحدة cop27 . بعد تصاعد المشكلات المناخية.
أضاف د.عبد السلامإن مشكلات العالم تصاعدت مؤخرا بعد كورونا والحرب الأوكرانية وتشكلت بعدهمابدايات لإرهاصات نظام عالمي جديد فقد كشفت الأزمتان عن خلل كبير في النظام العالمي علي مستوي الاقتصاد وعلي مستوي المؤسسات الدولية . كما عززتا من مشكلة النظام السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي العالمي.
أضاف إنالأزمتين أظهرتا حقيقة العلاقات الاقتصادية الدولية وكيف أن الدول المتقدمة تحولت إلي دول معتمدة بشكل شبه صافي علي الدول النامية في تلبية احتياجاتها من المواد الخام . وبعد تصاعد الأزمة اكتشف العالم أن حوالي 30% من احتياجاته من القمح والحبوب تأتي من بلدين اثنين هما روسيا وأوكرانيا المتحاربتين . وأن 60% من احتياجاته من الزيوت تأتي من هذين البلدين . وغير ذلك من مصادر الطاقة والغاز . فقارة أوروبا تعتمد في حوالي 50% من احتياجاتها من الطاقة علي روسيا . ولهذا تعيش أوروبا أزمة كبري غير مسبوقة أعادتها لوضع ما قبل أزمة الكساد العظيم التي يعيش العالم الآن أزمة كارثية أعمق وأخطر منها بكثيروهي أزمة الركود التضخمي " أي ركود مصحوب بالتضخم أي أن البضاعة موجودة وراكدة وليس هناك طلب عليها وعندما تطلبها تجدها بسعر مرتفع. إذا هي موجودة لكنها راكدة ومتضخمة أي سعرها مرتفع للغاية . وهنا يختلف علاج الركود عن علاج التضخم . فعلاج الركود يزيد أزمة التضخم وعلاج التضخم يزيد من أزمة الركود فإذا شئنا علاج التضخم أي ارتفاع الأسعار فمطلوب خفض الطلب وزيادة الضرائب وأسعار الفائدة لتقليل الطلب في السوق وبالتالي تقليل التضخم وهذا يقود إلي تكريس أزمة الركود . وعلاج الركود مختلف يكون بزيادة المرتبات ووخفض أسعارالفائدة وزيادة السيولة بأيدي الناس وحثهم علي النزول والشراء لتحريك السوق وهذا أيضا يعزز أزمة التضخم وتلك هي أزمة العالم الكبري الآن .. والتي عجزت عن حلها المؤسسات الدولية التي انكشف الخلل في أدائها وعدم حيادها بل تبعيتها لأمريكا.فالدراسات منذ عشرات السنين تتحدث عن التبعية السياسية لتلك المنظمات كصندوق النقدوالبنك الدولي وغيرهما من المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي صاغتها الولايات المتحدة عقب اتفاقات بريتي مودز 1944/1945م.
أكد د. عبدالسلام أن هذه المؤسسات تقف عاجزة الآن عن تقديم أي حلول شافية للأزمة خاصة بعد أن تضخمت وتعمقت أزمة النظام المالي الدولي . فعلي سبيل المثال تضاعف الدين العالمي خلال السنوات الخمس الماضية منذ أزمة كورونا حتي تجاوز الـ 230 تريليون دولار بينما الناتج الإجمالي العالمي نحو 85 تريليونا أي أنه أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي العالمي وهو ما ضاعف بصورة رهيبة عبء الدين في المقام الأول علي الدول المتقدمة التي يفترض أنها وقود التحريك والخروج من الأزمات . فمثلا بلد كاليابان يتخطي دينه العام 250% بينما يزيد الدين العام لأمريكا علي 130% "في حدود 31.5 تريليون دولار".
أغلب الدين خلال السنوات الست الماضية حدث عندما تمت طباعة تريليونات الدولارات وصدرتها أمريكا للعالم ولا تزال تسعي لمواصلة هيمنتها بالمزيد من الأدوات التثبيتية أو العلاجات المؤقتة مثل رفع أسعار الفائدة . وهو ما رفع سعر الدولار أمام باقي العملات ولكنها مجرد مقويات ليست علي أسس . فقوة الدولار الآن ليس منبعها زيادة في الإنتاج الأمريكي ولا زيادة في الصادرات ولا تحسناً في وضع الاقتصاد بل إن رفع الفائدة علي الدولار هو السبب الرئيسي . وبالتالي إعطاؤه قوة أمام باقي العملات ولكن هذه حتي حين .
أوضح د.عبدالسلام أن توقيع عقوبات اقتصادية ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا ترتب عليها عزل موسكو عن النظام المصرفي والمالي والنقدي العالمي الآن .. الصين ومعها روسيا وغيرهما من دول مجموعة البريكس "البرازيل . روسيا . الصين . الهند . جنوب إفريقيا" يرتبون لنظام مالي ونظام نقدي عالمي جديد. فبنك التنمية التابع لمجموعة البريكس والذي يسعي ليكون مناوئاً لصندوق النقد الدولي يمنح الآن قروضاً تجاوزت الـ 10 تريليونات دولار للدول الأعضاء وغير الأعضاء بالمجموعة . كما أعلن بوتين أكثر من مرة أنه يستهدف إقامة نظام عالمي أكثر توازنا واعتدالاً وعدالة. نظام لا يقدم الدول النامية قرابين لحل مشاكل الدول المتقدمة إلي ما لا نهاية ودليل ذلك زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة لحث دول الخليج العربي علي زيادة صادراتها من النفط والغاز. لتلبية احتياجات السوق الأمريكية والأوروبية من الطاقة التي ارتفعت أسعارها بصورة غير مسبوقة. وارتفعت معها معدلات التضخم لتتجاوز مستوي ماقبل أربعين عاماولهذافإن المواطن الأمريكي يعاني اليوم معاناة شديدة .. والحل دائما عند الدول النامية لكن الدول الخليجية لم تعده بشيء حتي الـ 13 مليون برميل نفط التي أعلن عنها ولي العهد السعودي هو حديث عن عام 2026/2027م فمثل هذا الأمر يتطلب إنفاقاً ضخما علي البنية الأساسية لتفعيل آبار جديدة وإنتاج واستيراد معدات وصناعة الأمر يستغرق ثلاث لأربع سنوات"ولهذا فبعد عودة بايدن للولايات المتحدة خالي الوفاض من المنطقة تراجع الدولار أمام اليورو والاسترليني والروبل وغيرها من العملات الرئيسية الدولية نظراً لأنهم كانوا يضعون آمالاً كبيرة علي هذه الزيارة .
أضاف د.عبد السلام إن الغرب لا بد أن يراجع سياساته وكذلك الشرق .. لهذا نجد الصين تعيد ترتيب أوراق اللعبة بالتنسيق مع روسيا ومجموعة البريكس ..اليوم بوتين في طهران في محاولة لضم إيران لمجموعة البريكس. وستكون من أوائل الدول التي ستنضم لتلك المجموعة. وهم يستهدفون إقامة نظام عالمي ذي كفتين يحقق التوازن علي المستوي الاقتصادي وعلي المستوي المالي والنقدي. خاصة أن صندوق النقد الدولي علي سبيل المثال أغلب سياساته في الدول النامية التي تعاملت معه ونفذت سياساته خلال السنوات الماضية أدت إلي تعميق أزماتها. ذلك أنه أثقل كاهلها بالديون. والآن مع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية هناك دول أعلنت إفلاسها مثل سيريلانكا فماذا فعل صندوق النقد لإنقاذها مثلاً من الإفلاس .. وماذا فعل مع لبنان .. وماذا يفعل مع الأرجنتين الآن والدول الأخري التي تعاني. وهناك دول مهددة بخطر الإفلاس في المنطقة وفي غيرها . المنظمات الدولية أثقلت كاهل الدول النامية وقدمتها قرابين لعلاج أزمات الدول المتقدمة.
يقول د.عبد السلام إن الأزمة الروسية الأوكرانية كانت كاشفة لهذه الحقيقة. كشفت عن أن الغرب يعتمد علي الشرق وعلي الدول النامية في تلبية احتياجاته. وهو ما تعرضت له في دراسات سابقة منذ 15 سنة وقلت إن أوروبا خلال الأربعين عاما الماضية نقلت أنشطتها وصناعاتها واستثماراتها إلي آسيا حتي صارت الأخيرة مصنع العالم الآن. وعندما تعاني آسيا الآن تعاني معها أوروبا التي تحولت أوروبا ومعها أمريكا للمركز المالي العالمي. لفقاعات مالية. أغلب نشاطها الاقتصادي هو نشاط خدمي" ولهذا فهم يعانون الآن بسبب التضخم المستورد. أي أن التضخم في أمريكا وكان في العادة لا يتجاوز 2% . ثم يتجاوز اليوم 8%وهو أعلي معدل تضخم في أربعين سنة في الولايات المتحدة وفي أوروبا وهذا معناه أن هذه الدول ارتفعت فيها الأسعار ليس لزيادة الطلب المفاجئ ولكن لأنها تعتمد علي المواد القادمة من آسيا وروسيا والصين وغيرها وبالتالي عندما تأثرت الأخيرة سلباً بأزمة كورونا وعندما منع بوتين التصدير ارتفعت الأسعار في الغرب وهذا ما نسميه ب" التضخم المستورد" أي الناتج عن اعتبارات خارج الدولة المستوردة وبالتالي استوردت التضخم الذي لم يكن ناتجا عن أسباب داخلية في المقام الأول.
يقول د. عبد السلام نحن مع تشكل نظام عالمي أكثر عدالة وأكثر تواناً. نظام لا يقدم الدول النامية قرابين لحل ازمات الدول المتقدمة. فنحن نستهدف أن يكون النظام المالي والنقدي العالمي أكثر اتزانا بعيداً عن هيمنة الدولار.
اترك تعليق