الشيخ مصطفي يوسف سباهيتش، مفتي بلجراد عاصمة الجمهورية الصربية، جاء إلي مصر ضمن وفد رفيع المستوي ممثلا بلاده تلبية لدعوة اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء التي وجهها لهم خلال زيارته إلي صربيا منذ عدة أشهر في إطار جهوده لدعم العلاقات بين البلدين، وسعيا لفتح أسواقا سياحية جديدة.. ولكنها لم تكن الزيارة الأولي للشيخ مصطفي إلي مصر التي تخرج فيها من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1997، فضلا عن كونه مصري الدم والهوي، حيث ولد لأم مصرية هي الأخري تخرجت ضمن أول دفعة للإناث من جامعة الأزهر منتصف الستينيات والتي تزوجت والده الصربي الذي كان يدرس في الأزهر في نفس الوقت ورحلا معا إلي يوغوسلافيا قبل أن تقسمها الحرب إلي 6 دول منها صربيا والتي أصبح الأبن الشيخ مصطفي مفتيا لعاصمتها بلجراد.
وفي مدينة شرم الشيخ التي وصفها بأنها جنة الله في أرضه كان لي معه هذا الحوار الذي عبر فيه عن حبه وأبناء شعبه لمصر وتقديره الكبير لحضارتها ومكانتها السامية في العقيدة الإسلامية حيث خصها القرآن الكريم بالذكر مرتين، وهو ما لم يتح لبلد أخر، فضلا عن كونها مهدا وملاذا وموطنا لعدد من الرسل والأنبياء وإختيارها لتكون موقعا يتجلي فيه سبحانه ليكلم نبي الله موسي وهو الحدث الفريد الذي لم يتكرر مع أحد من البشر غيره.. وإلي نص الحوار.
ما هي المسئوليات الموكلة إليكم بحكم منصبكم في صربيا؟
أتولي حاليا شئون الطائفة الإسلامية ومفتي بلجراد وكذلك المفتي الرسمي للقوات المسلحة الصربية.
ما هي أهم القضايا التي تشغلكم حاليا علي المستوي الرسمي؟
نبذل جهودا متواصلة لتعزيز العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وصربيا وأمارس سلطاتي من خلال مكتب يتبع رئيس الدولة مباشرة.
ذكرت أنك مفتي بلجراد هل يعني ذلك أن لكل مدينة في صربيا المفتي الخاص بها؟
هناك ثلاثة يتولون مهام المفتي في كل من بلجراد وآخر في منطقة سنغق وثالث في منطقة براتشين.
ما هو تعداد المسلمين في صربيا؟
تأتي الطائفة الإسلامية في المرتبة الثانية بعد المسيحية، حيث يبلغ عدد المسلمين حوالي 600 ألف مسلم في صربيا من إجمالي 6.5 مليون نسمة تعداد المواطنين في صربيا، منهم حوالي 200 ألف في العاصمة بلجراد وهم أقلية فيها يمثلون نحو 10% فقط من سكانها ولكن هناك مناطق متاخمة لكوسوفو يمثل المسلمون فيها نحو 95% من السكان.
هذا العدد الكبير من المسلمين أتصور أنه يحتم التعاون والتنسيق مع الأزهر ودار الإفتاء في مصر.. حدثنا عن ذلك؟
كان لدينا مشاكل أفرزتها الحرب وحدث إنفصال كوسوفو التي كانت جزء من صربيا التي يعيش فيها نحو 2 مليون مسلم، ونحن الآن في مرحلة إعادة بناء وتجديد العلاقات مع المؤسسات الإسلامية في مصر والعالم .. في كوسوفو لديهم طائفة إسلامية خاصة غير ما لدينا نحن في صربيا، وهناك عراقيل تفرضها البوسنة في هذا الشأن لرغبتها أن يكون مقر تلك الطائفة في سرايفو..الصورة لازالت غير واضحة بعد أن أفرزت الحرب تقسيم يوغوسلافيا لستة دول وستة طوائف إسلامية، وهذا يلقي بظلاله علي كفاءة وشكل التنسيق الواجب عمله مع المؤسسات الإسلامية في دول العالم الأخري.
ولكن رغم ذلك هل يمكننا الحديث عن علاقة خاصة بين المسلمين في تلك البلدان والأزهر؟
نحن نحب الأزهر لأنه مؤسسة عريقة وتلتزم بالمنهج الوسطي وحافظت علي العقيدة وعلومها عبر التاريخ، ونملك تاريخا خاصا يترجم تعاطفنا مع الأزهر فوالدي ووالدتي وكذلك شقيقتي درسنا جميعا في الأزهر ونحن فخورون بذلك، وتعمل الطائفة الإسلامية في صربيا كسفارة تدعم وتشجع كل الأفكار والمناهج التي يعمل علي نشرها الأزهر الشريف.
هل هناك خطة مستقبلية لدعم هذا الإتجاه من خلال إجراءات محددة؟
الأزهر يقدم لنا يد المساعدة دوما لبلورة ذلك عمليا من خلال حرصه علي إرسال المشايخ والفقهاء خاصة في رمضان والمناسبات الدينية بإستثناء العام الماضي تعثر حضور علماء الدين الأزهريين إلي صربيا بسبب كورونا، ولكننا نملك العزم علي الإستمرار في إستقبالهم مجددا، ونملك نوايا في أن تكون المدرسة التي تأسست في صربيا فرعا للأزهر في بلجراد ونحن نعد المكان المناسب ونعمل علي التنسيق مع الأزهر لدعمنا بالأساتذة المتخصصين لتسهيل عملية التعليم علي الأجيال الحالية والقادمة لكي لا يتكبدون مشقة السفر مثلما عانت الاجيال السابقة في الماضي.
تروج أوروبا للديمقراطية وحرية الإعتقاد والمساواه في فرص العمل وتولي المناصب.. هل يتحقق هذا مع المسلمين في صربيا؟
نحن نواجه كمسلمين تحديات كبيرة في صربيا وذلك عبر التاريخ إلا أننا نملك الإيمان بأنه طالما نحن أحياء في الدنيا فلابد من مواجهة التحديات بإعتبار أن الراحة والنعيم في الجنة فقط.
أقصد هل هناك تضييق ومشاكل يتعرض لها المسلمون بسبب ممارسة طقوسهم أو الحصول علي حقوقهم كمواطنين؟
نحن في صربيا نتمتع بقدر كبير من حرية ممارسة طقوسنا إلا أن هناك البعض لازال يعيش أجواء الحرب وظلالها الخبيثة التي تشجع النعرة القومية وما لذلك من آثار عدائية من بعض الطوائف ضد الأخري، ونحن نتفهم ذلك ونحاول التعامل معه من منطلق أنه القدر الذي يتحتم علينا الإيمان بخيره وشره لأنه من الله تعالي وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وما يحدث لدينا يحدث في أماكن أخري عديدة في العالم.
نعم، ولكن كيف ينعكس ذلك علي الأجيال القادمة أتصور أن هناك مشكلات يواجهونها قد لا يحسنون التصرف معها كالكبار؟
نحن نبذل جهودنا لنعلم أبنائنا أن يحبوا وطنهم وأن يظلوا به وأن يتمتعوا بالطيبة وحسن الخلق والتعامل مع الآخر بالقدوة الحسنة وأن يدافعوا عن صربيا بإسم الله وأن الله أكبر شعاروحقيقة ليست ضد صربيا وأن الإسلام دين السلام والمحبة بين الناس ونحن نترجم ذلك في تعاملاتنا مع الأخرين.
وهل تجدون دعما حكوميا لهذا الإتجاه؟
نعم بالتأكيد فإن الحكومة الحالية تحاول جاهدة إصلاح ما أفسدته الحرب بين الناس، ورئيس الدولة حاليا ألكسندر فوتوتشيش رجل وطني طيب يمنحنا الدعم الكامل ويتعامل بكفاءة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وهذا يسعدنا لأنه يمنحنا فرصا رائعة لتعزيز العلاقات بين الشعبين وكذلك المدن في مصر وصربيا.
كيف تري دور المسلمون الصرب ومؤسسة الإفتاء لديكم في دعم القضايا الإسلامية داخل دول الإتحاد الأوروبي رغم الصعوبات التي تحدثنا عنها خاصة مع إختلاف العادات ذات الصبغة الأوروبية التي تحيط بالأقليات المسلمة؟
علي الأوروبيين أن يفهموا أن أوروبا ليست للمسيحين فقط، إنهم يروجون في أمريكا أن الحضارة الأوروبية ذات طابع مسيحي ويهودي وهذا ليس حقيقيا فالتاريخ يذكر أن من أوائل المهاجرين إلي أمريكا كان بينهم مسلمون، فضلا عن أن العلوم التي أنتجتها الحقبة الإسلامية كانت أساسا أفرز الكثير مما يتباهي به الأوروبيون الآن، ومن هنا علينا الحفاظ علي الإسلام والنضال ضد الإسلاموفوبيا ومقاومة دعوات إخافة الناس من المسلمين وعلينا أن نتحلي بالصبر أمام السلوكيات الإستفزازية التي يتعمدها البعض ضد المسلمين، وإن حرق القرآن مثلا والإساءة لنبي الإسلام لن يؤثر أبدا في الرسالة العظيمة لدين بني منهج وسلوك بشري للمحبة والتعاون والسلام والتكافل والعمل ولا يجب أن يكون لنا ردود أفعال خاطئة وعلينا بالصبر والمقاومة بالسلوك الحسن وألا ننسي وعد الله بقوله تعالي " إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
تملك مصر مقاصد سياحية عديدة ذات طبيعة دينية للعقائد السماوية الثلاثة.. هل تعتقد أن ذلك يدعم ويحفز زيادة عدد السياح الصرب إلي مصر؟
نعم بالتأكيد، وأرصد إهتماما متزايدا بإستمرار من جانب المواطنين الصرب لزيارة المقاصد السياحية وخاصة الدينية في مصر، إلا أنه قبل هذا وبعده يجب الإعتراف بحقيقة أساسية أن العالم يحب مصر بل يجب عليه أن يحب هذه البلد الرائعة وشعبها الطيب وهي البلد التي ذكرت في القرآن مرتين وهي البلد الوحيدة التي تمتعت بهذه الميزة الربانية، فضلا عن أنها ملاذ الأنبياء والرسل وعلي أرضها كلم نبي الله موسي رب العزة وهو أول وآخر حوار بين الله وبشري علي أرض في الدنيا والتي سميت فيما بعد سانت كاترين.
هل تري أن أصحاب الديانات السماوية من غير المسلمين في صربيا يدركون هذه الحقائق التاريخية والعقائدية بدرجة كافية تشجعهم علي زيارة مصر؟
نحن بدورنا لا نكف عن إشاعة الوعي بين الناس في هذا الشأن ومن المعروف أن تحية نبي الله موسي بالعبرية هي شالوم عالي هم .. وتحية رسول الله عيسي بالأرمية هي شاليم عاليم .. وكانت تحية رسول الله محمد بالعربية السلام عليكم صلوات الله عليهم جميعا، وهي لم تكن تحية فقط ولكن دعاء بالسلام ليعم علي من يدعي لهم والسلام هو اسم الله بما يعنيه من محبة وطهر وهداية وتوفيق، دعوة بأن يكون الله معك وحولك ومصر هي أرض السلام ومهده عبر التاريخ تعلمت منها الإنسانية كيف تحيا في نظام ووئام عبر كل العلوم وهي الميزة التي خص بها الله البشر دون غيرهم من خلقه العلم .. لذلك مصر جديرة بحب البشرية كلها.
إذن كيف تفسر العداء للإسلام ولنتحدث عما لديكم في صربيا كمثال؟
بعض الصرب لديهم أفكار مشوشة عن الإسلام وخلطوا بينه وبين القوميات علي آثر حكم الأتراك للبلاد طوال 500 سنة، والقوميات ليست من الدين بل رجس من عمل الشيطان، وإن أحد منا لم يكن له إختيار من يكون أبويه ومكان ولادته ونشأته وثقافته، أما الدين حينما يكون لله فإنه يوحد الناس بعيدا عن قوميتهم وعلينا نحن كمسلمون أن نغير هذا التفكير سعيا لإستقامة الأمور بين خلق الله في الأرض.
في مصر يتمكن المواطنون من التواصل بين المشايخ بواسائل متعددة وسريعة لعرض مشكلاتهم وطرح استفساراتهم.. كيف تسير الأمور في هذا الشأن لديكم في صربيا؟
نحن كذلك لدينا التواصل متاح بسهولة بين المواطنين والمتخصصين في العقائد عبر القنوات التليفزيونية والصحف والسوشيال ميديا ونعرض مقارنات بين الأديان الثلاثة وما تقرره من معاملات وسلوك لتلبية مطالب كل المواطنين الصرب علي إختلاف دياناتهم، وفيما يخص الإسلام فهناك أيضا الجامعة الإسلامية التي تخصص أرقام تليفونات ولها موقع إليكتروني يستقبل الإستسفارات ويرد علي الأسئلة التي يتلقاها من الطائفة الإسلامية ويعمل علي بث التفاسير والتعاليم الدينية ويقود الوعي عبر متخصصين في علوم الدين وطوال 24 ساعة.
ما هي مظاهر الإحتفال بالمناسبات الدينية لديكم؟
بالطبع هناك فاعليات ذات صبغة إجتماعية أكثر منها رسمية حيث تقوم جمعيات المرأة والمدارس ودور تحفيظ القرآن بتنظيم أنشطة إحتفالية خلال العيدين الفطر والأضحي وكذلك المولد النبوي ومع حلول رأس السنة الهجرية ونحرص علي دعم هذه الفاعليات لكي يعرفها الناس ويتجسد الوعي بها لدي الأجيال المتلاحقة من خلال نظم القصائد وإلقاء الأغاني الدينية، ونسعي مستقبلا لإعتماد فاعليات أخري تدعم المحبة والإنسجام بين جموع الشعب علي إختلاف معتقداتهم الدينية.
هل تواجهون مشكلة في بناء دور العبادة الإسلامية في صربيا؟
لا يمكنا الوصف بأن هناك مشكلة في ذلك إلا أن هناك تحفظات لدي السلطات في إصدار التراخيص لبناء المأذنة في المساجد، والمأذنة ليست فرضا ولن تعرقل بأي حال صلاتنا وحن نري أن بناء المأذنة من حقنا ولكننا في نفس الوقت لن نتوقف عند هذه العقبة ونثق في أن الغد سوف يشهد تغيرات في ذلك، ولدينا في العاصمة بلجراد نحو 15 مسجد بدون مأذنة ولدينا مسجد بيراق الأثري الذي إقترب عمره من 500 سنة وهو الوحيد الباقي من 274 مسجدا كانت منتشرة في هذه المدينة عبر التاريخ، وهذا المسجد الأثري أشرف عليه أنا وعائلتي منذ أكثر من نصف قرن.
ما هي أهم المشكلات الإجتماعية والإقتصادية للمسمين في صربيا؟ وما تقديركم للحديث عن أهمية تجديد الخطاب الديني وتقديمه حلول لهذه المشكلات عبر الخطب الدينية والمناهج التعليمية وغيرها؟
كما ذكرت أن 274 مسجدا تلاشي آثرها، أي أن الأوقاف في صربيا كلها ضاعت ونحن الآن بصدد إعادة التأسيس والهيكلة، حيث قمنا بشراء مواقع وبناء 15 مسجدا ومستمرون في ذلك وبصدد تأسيس شبكة للطائفة الإسلامية تتضمن جامعات ومدارس وحضانات وغيرها من وسائل إعلام ومطابع لنشر الوعي الإسلامي باللغة الصربية.
هل تمثل اللغة العربية عائقا لديكم يحول دون توارث الأجيال القيم الإسلامية بإعتبار أن القرأن نزل عربيا؟
لدينا مدرسة إسلامية تعلم الغة العربية لغة القرآن بالإضافة إلي اللغة التركية والإنجليزية، وهناك كورسات متخصصة في علوم اللغة العربية علي وجه خاص، ونحرص علي وجود دروس لتعليم اللغة العربية في المساجد الحالية ليعرف الناس لغة القرآن.. كما نحرص علي التوسع في ذلك مستقبلا ليواكب تزايد الوعي والفهم لصحيح الدين الإسلامي الحنيف علي مذهب السنة.
اترك تعليق