دموع لا تجف.. ونحيب لا يتوقف.. هكذا تبدل الحال في منزل حسن محمد الكامل ابن قرية الحرزات بمركز نقادة بمحافظة قنا والمقيم بقرية ترعت شعت بدائرة المركز، الذي اصطحب زوجته ووالدتها وأطفاله السبعة وشقيقة زوجته ونجليها في رحلة للتنزه بمدينة الأقصر للاستمتاع بإجازة عيد الأضحي المبارك ليلهو الأطفال في الملاهي والحدائق العامة كعادتهم في كل عيد، وقبل أن يعود الأب لعمله مطلع الأسبوع القادم..
حيث يعمل مديرًا لمركز المعلومات بالوحدة المحلية لمركز ومدينة نقادة، إلا أن هذه الرحلة كتبت النهاية الحزينة للعيد وللأسرة التي فقدت الأطفال السبعة غرقًا داخل ترعة "أصفون" بعدما ابتلعت التروسيكل الذي كانوا يستقلونه في رحلة العودة من الأقصر إلي مركز نقادة.
كان الخبر صادمًا لجميع أهالي قريةالحرزات التي ينتمي إليها الأبوقرية ترعة شعت التي يقيم بها وكذلك الحال في جميع القري المجاورة بمركز نقادة..حيث اتشحت القرية بالسواد والجميع يبكي ضحايا الحادث الأليم الذي لم تشهده القرية ولا مجاوراتها من قبل.. منظر الجثامين السبعة وهي تخرج في جنازة واحدة كان كافيًا أن يُبكي الحجر قبل البشر، النساء لا تتوقف عن النحيب، ودموع الرجال تتساقط دون توقف، والأم لم تصدق ما حدث ولم تتحمل حجم الكارثة لتسقط مغشيًا عليها ويتم نقلها إلي المستشفي وهي تعاني حالة إنهيار عصبي حاد، أما الأب فقلبه يكتوي بالنار ودموعه تنهمر كالسيل، ولكنه يحاول أن يصمد حتي لا ينهار ابنه الأكبر البالغ من العمر 11 عامًا والناجي الوحيد من بين إخوته من هذه الكارثة الكبري.
مشاهد مأساوية لا تفارق أذهان الأب والأم والابن الوحيد الناجي من الحادث وهم يشاهدون باقي الأبناء فلذة الأكباد يخرجون من الترعة جثث هامدة بعد رحلة يوم كامل استمتع فيه الجميع باللعب واللهو داخل الملاهي ولم يكن يعلم الأب أن القدر سيكافئه في نهاية الرحلة بفقد فلذات الأكباد ويتحول يوم العيد إلي ذكري سوداء في ذاكرة الأسرة.
الأب المكلوم حسن محمد الكامل وشهرته شحات كامل فكري مرتضي مدير مركز المعلومات بالوحدة المحلية لمركز ومدينة نقادة، بمحافظة قنا. قال لـ "الجمهورية أون لاين" وهو يروي تفاصيل الحادث الأليم: كانت دقات الساعة تشير إلي السابعة صباحًا، حينما خرجت ومعي زوجتي وأطفالي السبع وهم: محمد 11 سنة طالب بالصف السادس الابتدائي الأزهري بنقادة، وفاطمة بالصف الأولي الإعدادي الأزهري وهاجر بالصف الخامس الابتدائي الأزهري، وسارة بالصف الثالث الابتدائي، وإبراهيم بالصف الأول الابتدائي، ويوسف في المرحلة الأولي برياض الأطفال، وزكريا عام ونصف بجانب شقيقة زوجتي ونجليها "محمد ويوسف الراعي" ووالدة زوجتي، واتجهنا بالتروسيكل الخاص بي إلي الأقصر لقضاء إجازة عيد الأضحي المبارك قبل العودة للعمل يوم الأحد المقبل.
أضاف: اعتدتنا في كل عيد أن نذهب بالأبناء إلي الأقصر ليلهو الأطفال في الملاهي والحدائق العامة، فلم أرفض لهم أي طلب من قبل ولا أقبل أن يذهبوا أي مكان بعيد دون ان أرافقهم، حتي في دراستهم قمت بإلحاقهم جميعًا بالأزهر في نقادة ليكونوا بالقرب مني أثناء عملي نخرج سويًا في الصباح ونعود معًا بعد انتهاء العمل واليوم الدراسي، وكنا قد اتفقنا على الذهاب للأقصر لقضاء إجازة العيد، مستقلين التروسيكل الخاص بي حيث نقوم بركن التروسيكل في المكان المخصص لذلك على ضفاف نهر النيل بالبر الغربي لحين عودتنا مساءً خاصة أن المواصلات تكاد تنعدم في الوقت المتأخر من الليل ويصبح التروسيكل هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لكي نعود للمنزل.
وقال: قضينا اليوم في مرح وسعادة إلي أن قررنا العودة مع نهاية اليوم، وبعد أن ركبنا العبارة النيلية من البر الشرقي للعودة إلي البر الغربي، ركبنا التروسيكل لنعود إلي منزلنا، بعد الاطمئنان على وجود كل الأطفال، وأثناء السير في الطريق كانت الساعة تشير إلي الثانية عشر بعد منتصف الليل وأمام قرية السناينة غرب النيل بقرية الرواجح التابعة لمركز القرنة بمحافظة الأقصر، وقعت الكارثة.
الأب يحاول جاهدًا التغلب على دموعه التي تسيل دون توقف، ويكمل قائلًا "محسيتش بنفسي غير واحنا في الترعة.. معرفش ايه اللي حصل.. فجأة لقيت نفسي في الميه وبدور على العيال وأمهم".. وأضاف: "خرجت من المياه بأعجوبة والمكان حالك السواد، فلا إضاءة ولا بشر، المكان شبه مهجور وخال من السكان، حاولت الاستنجاد وأنا أصرخ بأعلي صوت دون أن أجد أي استجابة، حتي بُح صوتي، وكلما حاولت الاستغاثة بأصحاب السيارات المارة بالطريق لم يكن أحد ليتوقف فقررت أن أرقد أمام السيارات لأجبرهم على التوقف، ثم حضر اثنين من الشباب ونزلا معي الترعة للبحث عن أسرتي".
أضاف قائلًا: "بصيت ملقيتش غير ابني محمد الكبير.. حاولت اسحبه بقطعة خشب كانت مرميه وفعلا قدرت أسحبه وطلع من الميه وانا وقعت تاني في الترعة.. وبعدين ابني محمد فضل يشد فيا لغاية لما طلعت.. وبعدين بصيت لقيت مراتي وهي شايلة ابننا زكريا اللي عنده سنة ونص وسحبتها وبعدها أختها وابنها محمد وأمها- أم حسن- وعملنا لهم اسعافات أولية بالضغط على البطن لتفريغ المياه والحمد لله مراتي وأختها وأمهم ومحمد ابن اخت مراتي كانوا كويسين بس ابني زكريا كان مااات".
توقف الأب قليلًا يحاول مجددًا التغلب على دموعه وسط مواساة الحضور من الأهل والجيران الذين حضروا لتقديم العزاء، ويكمل الأب والدموع لا تجف من عينيه: "فضلت اصرخ بعلو صوتي وأقول يارب انقذنا يارب.. لكن قدر الله كان نفذ.. وفوجئت بالشباب يخرج ابنائي الباقيين واحدًا تلو الأخر وهم موتي كانت البداية بإخراج يوسف الراعي ابن شقيقة زوجتي ثم أبنائي إبراهيم ويوسف وهاجر وسارة وفاطمة.. حاولنا نعمل اسعافات لكن مفيش حاجة نفعت.. كان ربنا استرد أمانته وأولادي الستة ماتوا ومعاهم ابن خالتهم يوسف".
الأب المكلوم يؤكد على رضاه بقدر الله وحكمه قائلًا: "أنا كان كل همي وأنا في الميه أني أطلع العيال.. مش مهم أنا.. لكن ارادة ربنا فوق كل شيئ.. أنا قلبي مولع نار.. لكن بقول الحمد لله.. احتسبتهم عند ربهم شهداء وربنا يصبرني ويجيرني في مصيبتي ويخلفني خيرًا منها".
أما محمد حسن -الابن الوحيد الناجي من الحادث- فقال: "احنا كنا ماشيين كويس في الطريق وفجأة لقيت التروسيكل نزل في الترعة، الميه كانت أعلي مني بس أنا قفلت أنفي وبقيت اتنفس من بقي واطلع واغطس لغاية لما قدرت أطلع بعد ما بابا شدني بالخشبة".
وختم محمد كلامه قائلًا: "أنا مش قادر أنسي اللي حصل.. ولا قادر أصدق إني مش هشوف إخواتي تاني.. ربنا يرحمهم ويصبرنا".
اترك تعليق