هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

ثقافة الجودة من الرفاهية إلى الأولوية 

من عدة سنين عندما بدأ الحديث عن الجودة كانت الفكرة المترسخة في عقول  العديد من مقدمي الرعاية الصحية أنها مجرد حديث عن إضافة جماليات للمكان ورفاهية للمريض وأنها لا علاقة لها بصحة المريض وارتبطت في الأذهان بأنها مقتصرة على الحكومات الغنية ودول العالم المتقدم  ، ورُفعت رايات الرفض من الكثير بدعوى أن الأهم هو تقديم الخدمة المطلوبة وأن كل ما عدا ذلك رفاهيات لن تقدم ولن تؤخر في نوعية العلاج المقدمة للمريض ، ومن هنا ظهر مفهوم الجودة السلبية (hide the scrap scenario ) مما أدي لظهور تحديات أكبر لفريق الجودة في المستشفيات حيث تحولت المعارضة من المعارضة الصريحة إلى معارضة خفية ، الأوراق على ما يرام وكل ما عدا ذلك كما هو على حاله القديم ولكن تم اخفاؤه عاملين بفكر ما لا تراه العين فلن يضرك في شيء۔
 


ولكن الحقيقة جاءت عكس ذلك بعد إرساء مبادئ الجودة وتقوية جذورها بإطلاق المعايير الوطنية للجودة والاعتماد وارتباطها بالمشروع القومي للتأمين الصحي الشامل والذي رسم خارطة الطريق في بناء خدمات صحية عالية الجودة والذي يعتمد في الأساس على ثقافة الشفافية وسلامة المرضى وتحليل النتائج ودعم القادة ومشاركة الفرق الطبية في المجتمع والعديد من الجوانب التي يمكن تحقيقها في جميع المجتمعات بغض النظر عن دخلها.
وأصبح الاهتمام بالفرد هو جوهر الجودة، بل وأصبح هذا الفرد نفسه هو شريك أساسي في تصميم الخدمات الصحية وتقييمها.  
وعند استعراض المعايير سترى أنها لم تدع شيئا يمس الفرد بدءاً من وجوده في بيئته ومجتمعه وحتى تلقيه الرعاية الصحية وعودته لمجتمعه مرة أخرى إلا وأسردت له معياراً ضابطًا له بحيث يضمن مساواة الجميع في الحصول على نفس الإهتمام والخدمة الصحية ليس فقط لكل فرد في المجتمع، بل وفي كل زيارة.
ولكن هل مازالت الجودة السلبية تكمن فيما وراء الكواليس؟
هنا يأتي الجزء العملي من المعايير (أدلة التطابق مع المعيار) والذي وُضع بعناية ليكشف الستار عن هذه الكواليس ويجعل من الصعب، بل قد يكون من المستحيل إخفاء أي إهمال أو معوقات قد تكون كامنة في المؤسسات الصحية والتي بدورها وجدت أن الشفافية في الإبلاغ عما تقابله من مشكلات ومحاولة حلها ليس عيباً، بل هو تحدي ترفع له القبعات
إن مهارات العاملين في مجال الرعاية الصحية ومعارفهم وسلوكياتهم واستعدادهم للتطوير من أنفسهم هي العوامل الأساسية في خلق بيئة من الجودة والالتزام بالمعايير ، ولا يأتي هذا فقط بفرض سلوك بيروقراطي في المؤسسة او بوضع الجزاءات والغرامات ولكن بإيمان العاملين بأهمية الجودة في الرعاية الصحية والتعليم والتقييم المستمر وخلق بيئة من الوعي بأهمية هذا السلوك والذي يعود عليهم بالسلامة والنفع قبل أن يعود على الزائرين للمنظومات الصحية وتمكين كل من له تأثير في العملية الصحية في اتخاذ القرار ووضعه في موضع الحاكم لا المحكوم.
وكما أن سلامة المرضى أمراً أساسياً لتقديم خدمات صحية عالية الجودة ، فإن سلامة مقدم الرعاية الصحية وحمايته من ارتكاب الخطأ هو أيضاً على  نفس مستوى أهمية سلامة المرضى ،  فالإنسان ليس معصوماً من الخطأ، ومن غير المعقول أن يُتوقع من بشر يعملون في بيئات معقدة وشديدة الضغط ألا يتركبوا أي خطأ في عملهم، كما أن افتراض أن الفرد قادر على بلوغ الكمال لن يؤدي إلى تحسّن مستوى السلامة، فالنظام الصحي الناضج هو ذلك النظام الذي يراعي التعقيد المتزايد الذي تتسم به بيئات الرعاية الصحية التي تجعل الإنسان أكثر عرضة للخطأ. ولتحقيق ذلك لابد أن يوضع في بيئة محمية من الأخطاء تكون فيها النظم التي يستخدمها والمهام والعمليات التي يضطلع بها مصممة تصميماً محكماً. فإن وجود الاستراتيجيات المتعلقة بسلامة المرضى وسياسات واضحة وقدرات قيادية وبيانات بشأن كيفية تحسين السلامة ومهنيين مهرة في مجال الرعاية الصحية هو الأساس للوصول لهذا الهدف وهذا ما رسمته لنا المعايير الوطنية ليمثل سورًا يحتمي خلفه المريض ومقدم الرعاية الصحية على السواء للوصول لبيئة تكاد تكون خالية من الاخطاء.
إنه المستقبل والتوجه العالمي في أن تقديم الخدمات الصحية عالية الجودة أصبح ضرورة عالمية وليس فقط رفاهية الجودة هي الإحسان هي الاستدامة هي الشراكة بين المجتمع في أبهى صورها فالحياة ليست مجرد وجود، بل هناك ما هو أكثر من ذلك.

بقلم - الدكتورة غادة شريف:
[email protected]
أخصائي الجودة والاعتماد
أحد الدارسين في الدفعة الذهبية بدبلوم
الجودة والاعتماد بـ"جامعة بدر"





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق