لقي القرار الذي أصدرته الحكومة برئاسة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الخاص باقتصار أداء فريضة الحج هذا العام على من لم يسبق له الحج من قبل فقط، قبولاً لدي علماء الدين في ظل الضوابط الصحية التي فرضتها وزارة الصحة والسكان على من هم أكثر عرضة لمخاطر العدوي لتجنب سفرهم هذا العام منعاً لانتشار الإصابة..
وكذلك الحال بالنسبة للقرار الذي أصدرته الحكومة بمنع الحج على نفقة الدولة أو أي من الجهات التابعة لها هذا العام توفيراً للنفقات في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم أجمع.. إلي جانب أن السلطات السعودية قد حددت أعداد الحجاج لكل دولة منعا للزحام والتدافع وانتشار العدوي.
يقول دكتور محمد مختار جمعة: علينا أن نتفهم الظروف الحالية التي تمر بها البلاد والأولي أن يعالج أحد على نفقة الدولة أو توفير مسكن، فالحج على المستطيع بدنياً ومالياً، ويملك قوتاً ينفق منه حتي يعود من الحج، واستطرد: الحج يغفر الذنوب بالفعل، لكن أيهما أولي، الواجب العيني أم النوافل؟
أشار وزير الأوقاف إلي أن اللجنة العليا للحج اتخذت قراراً بمنع الحج على نفقة الدولة هذا العام بشكل نهائي، منوها إلي أن تكرار الحج يتم لطلب مغفرة الذنوب، وهناك وسائل عديدة لطلب المغفرة، فمن يمطي الأذي عن الطريق أو يصوم رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
أشار إلي أنه تم عقد الاجتماع التنسيقي مع مسئولي الوزارات والجهات المعنية، وتم التوافق على عدم السماح بالحج على نفقة الدولة، أو أي من الجهات التابعة لها هذا العام، وبالتالي فلا حج على نفقة وزارة الأوقاف هذا العام، في إطار تطبيق مبدأ فقه الأولويات، بالنظر إلي كون سد احتياجات المحتاجين أولي ألف مرة ومرة، وأعظم أجراً وأعلي ثواباً من تكرار الحج والعمرة.
ترشيد العمرة والسماح بتكرارها
كان دكتور محمد مختار جمعة قد أطلق دعوة من قبل لترشيد العمرة والسماح بتكرارها كل خمس سنوات وكذلك الأمر بالنسبة للحج الذي يلي حجة الفريضة التي فرضت على القادر المستطيع مادياً وبدنياً حتي يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد.. مشيراً إلي أن فروض الكفايات مثل إطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض وإحصان الشباب والفتيات وتوفير ما تقوم عليه حياة الأمة من رعاية صحية وتعليم وطرق وتجهيز للجيوش مقدمة على النوافل مثل العمرة والحج المتكرر.. فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة وحيثما تكون المصلحة، فثم شرع الله وقضاء حوائج الناس واجب شرعي، مؤكدا أن الدين ليس بالعاطفة وأنه ينبغي على المسلم أن يسير وفق مراد الله لا وفق عاطفته.. واستشهد بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أحب الناس إلي الله تعالي أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلي الله تعالي سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشي مع أخيه في حاجة حتي يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".
تخطي الأزمة الاقتصادية
يري دكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق، أن هذه القرارات احدي وسائل مساعدة الدولة في تخطي الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، لاسيما أن الكثير من أفراد الشعب الفقراء لا يجدون الحد الأدني بما يكفيهم للعيش بكرامة.. مشيراً إلي أنه إذا كانت العمرة أمرا مستحباً، إلا أنه لا يجب الإفراط فيها.. ورغم أن الحج فرض مرة واحدة في العمر، إلا أنه تحول إلي وسيلة للتباهي والوجاهة بعد أن اتخذه بعض القادرين فريضة سنوية.. ولقد جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: في آخر الزمان يكثر الناس من الحج بلا سبب، يهون عليهم السفر ويبسط لهم في الرزق فيهوي بأحدهم بعيره بين الرمال والقفار، يضرب في الأرض للحج وجاره إلي جنبه مأسور لا يواسيه.
أشار إلي أن هناك مفاهيم خاطئة لدي المسلمين تختزل غفران الذنوب في زيارة بيت الله الحرام والدعاء هناك وأداء الحج والعمرة فقط دون غيرهما من الأعمال الصالحة، رغم أن هناك الكثير من الأعمال الخيرية التي من الممكن أن يستفيد بها المسلم بعد مماته، خاصة أن مجتمعنا النامي من العالم الثالث في حاجة لأموال العمرة والحج المتكرر في بناء مدرسة أو مستشفي أو غيرهما، ما يعد صدقة جارية سوف تدر الكثير من الأجر والثواب على مستخرجها.
طالب بتوجيه الأموال نحو مصارفها الصحيحة ومراعاة ترتيب أولويات الإنفاق حتي تتجنب البلاد فساداً كبيراً ويتم إنقاذ ودعم الكثير من الفقراء.
فقه الأولويات
قالت دكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن الشرع أعطي لولي الأمر حق تقييد المباح إذا كانت البلاد تمر بظروف استثنائية حتي تزول العلة.. وبالتالي يجوز لولي الأمر تقنين العمرة والحج بعد حج الفريضة إذا كانت الظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك.
أضافت أن البلاد تمر بظروف اقتصادية صعبة وفى الوقت الراهن تحتاج الدولة أن تعمل بفقه الأولويات، قال تعالي: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله"، مشيرة إلى أن الصحابة الكرام أدركوا ذلك وكانوا يكثرون من الأسئلة التي تدلهم على أحب الأعمال وأفضلها التى تقربهم من الله سبحانه وتعالى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج أو يعتمر إلا مرة واحدة فى حياته.
اترك تعليق