تضم سور القرآن الكريم الكثير من صيغ الدعاء سواء التي وردت على لسان الأنبياء والرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام أم التي وردت على لسان الصالحين رضي الله عنهم ألحقنا بهم على خير. ((الجمهورية اونلاين)) تستعرض طوال أيام شهر رمضان المبارك بعض الأدعية الواردة في القرآن الكريم.
نواصل في هذه الحلقة من سلسلة الدعاء في القرآن الكريم استعراض آيات الدعاء التي وردت في سورةالكهف
((رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)) آية 10 سورة الكهف
يخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن أولئك الفتية الذين فرّوا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه، فهربوا منهم، فلجأوا إلى غارٍ في جبل ليختفوا عن قومهم، فقالوا حين دخلوا سائلين اللَّه تعالى من رحمته ولطفه
ولما فرّوا بدينهم ممن كان يطلبهم من الكافرين، وبذلوا السبب في ذلك اشتغلوا بأهم الأسباب: التضرّع إلى اللَّه واللجوء إليه بالدعاء، فقالوا: ((رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)): سألوا اللَّه تبارك وتعالى أنْ يمنَّ عليهم برحمة عظيمة، تناسب عنايته باتّباع الدين الذي أمر به.
((مِنْ لَدُنْكَ)) : فسألوا رحمة خاصة من ربهم جلَّ وعلا تقتضي كمال العناية بهم، وتفيض عليهم من كمال الإحسان والإنعام.
((وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)) أي يسِّر لنا وسهِّل علينا الوصول إلى طريق الهداية والرشاد في الأقوال والأفعال في أمر ديننا ودنيانا.
وهم هنا جمعوا بين السعي والفرار من الفتنة إلى محل يمكن الاستخفاء فيه، وبين تضرّعهم وسؤالهم اللَّه عز وجل تيسير أمورهم، وعدم اتكالهم على أنفسهم، وعلى الخلق، فجعل اللَّه لهم مخرجاً، ورزقهم من حيث لا يحتسبون، وهي سُنّة اللَّه تعالى التي لا تتبدل مع المتقين الصادقين.
تضمنت هذه الدعوة المباركة فوائد عظيمة هي:
ينبغي الفرار من الأماكن التي لا يستطيع العبد القيام بدينه فيها، وإن ذلك من أوجب الواجبات.
أنَّ من أوى إلى اللَّه تعالى، أواه اللَّه تعالى ولطف به، وجعله سبباً لهداية الضالين.
أنّ من ترك شيئاً للَّه تعالى عوّضه اللَّه خيراً منه.
أنّ من اتّقى اللَّه تعالى جعل اللَّه له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.
ينبغي للعبد أن يجمع بين الأسباب الدنيوية والشرعية المطلوبة.
أنّ رحمة اللَّه تعالى نوعان: رحمة عامة لكل الخلق مؤمنهم، وكافرهم، ورحمة خاصة لعباده الصالحين التي تقتضي العناية والتوفيق والهدى والسداد، والعبد يسأل ربه على الدوام أن يمنَّ عليه من خزائن رحمته الخاصة المكنونة.
أنّ الدّعاء ينبغي أن يستجمع معه بذل الأسباب، فهم سألوا اللَّه تعالى، ثمّ بذلوا الأسباب التي منها فرارهم بدينهم إلى الكهف.
أن الجزاء من جنس العمل، فهم حفظوا إيمانهم فحفظهم اللَّه تعالى بأبدانهم ودينهم.
أنّ الدعاء وظيفة المؤمن في كل مهماته في حياته.
الإكثار من دعاء اللَّه تعالى بسؤال الرحمة والرشد؛ لأن فيهما الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
تعظيم الرغبة في الدعاء.
أنّ الأدعية الشرعية جمعت وحوت كلّ ما يتمنّاه العبد في دينه ودنياه.
المصادر:
مفردات الراغب
تفسير أبي السعود
تفسير ابن كثير
تفسير ابن سعدي
تفسير ابن عاشور
تيسير اللطيف المنان
اترك تعليق