قبل أيام قليلة من الدور الثانى الحاسم للانتخابات الرئاسية الفرنسية الجارية فى 24 أبريل، تلقت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، ضربة قوية، إذ تواجه ومقربين لها، اتهامات من المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال، باختلاس نحو 600 ألف يورو من الأموال العامة الأوروبية، خلال فترة ولايتهم فى البرلمان الأوروبى.
التوقعات ترجح كفة الرئيس اليسارى الوسطى أمام مرشحة اليمين المتطرف
وقد احتدمت المنافسة بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، إيمانويل ماكرون المنتهية ولايته عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، ومنافسته اليمينية المتطرفة زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبان، قبل أيام قليلة من انطلاق الجولة الثانية المزمع إجراؤها الأحد المقبل، بسبب الجدل حول قرار الأخيرة فرض غرامة على ارتداء الحجاب بالأماكن العامة.
وسارع ماكرون لرفض المقترح، في محاولة قرأها مراقبون بأنها محاولة لجذب الناخبين المسلمين الذين يمثلون كتلة انتخابية في البلاد. ويرى المراقبون أن الاتهامات الموجهة للوبان من جانب البرلمان الأوروبي ستؤثر بشكل سلبي للغاية على حظوظها الانتخابية، فضلاً عن أن قرارها الخاص بفرض غرامات على مرتدي الحجاب سيفقدها قطاعا كبيرا من الناخبين لكونه يتعارض مع فكرة الحريات العامة.
وقالت لوبان المرشحة اليمينية المعادية للهجرة، إنه في حال انتخابها، فإنها ستفرض غرامة على النساء اللواتى يضعن الحجاب في الأماكن العامة. ويشير المراقبون إلى أن ماكرون التقط هذه الفرصة ودعم خطابه المنفتح والمتسامح والذى يلقى صدى لدى شريحة واسعة من الناخبين المترددين حتى الآن فى التصويت له أو للوبان.
ويسعى ماكرون لاستغلال إصرار لوبان على هذه الفكرة للقول بأن سياساتها لا تختلف عن سياسات الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان ماري لوبان. كما قدم نفسه على أنه مدافع عن الحريات الدينية، مشددا على أن حظر الحجاب سيعني دستوريا منع جميع الرموز الدينية بما فى ذلك القلنسوة اليهودية والصليب.
وكان ماكرون قد حقق الفوز في الدور الثانى للانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017 بـ66,10% من الأصوات، مقابل 33,90% للوبان. لكن هذه المرة، ترتفع حظوظ اليمينية المتطرفة فى الدور الثانى للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في 24 أبريل إلى 49% من الأصوات، مقابل 51% لماكرون، وذلك حسب استطلاع أجراه "إيفوب فيديسيال" لصالح قناة" تى إف وان" الفرنسية.
وقد أبدى غالبية المرشحين الخاسرين فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، عزمهم دعم ماكرون لمواجهة اليمين المتطرف في الجولة الثانية، فيما تمسك واحد فقط بدعم لوبان، وهو إيرك زمور.
فقد دعا مرشحو حزب "الجمهوريون" اليميني فاليري بيكريس، وحزب الخضر يانيك جادو، والحزب الشيوعي فابيان روسيل، والحزب الاشتراكي آن هيدالجو، للتصويت لماكرون.
كذلك شدد مرشح "فرنسا الأبية" جان لوك ميلنشنون، الذي حل ثالثا مع حوالي 21 في المئة من الأصوات، على ضرورة حجب الأصوات بشكل قاطع عن لوبان، لكنه لم يدعُ للتصويت لصالح ماكرون. وعلى غرار ميلنشون، أعلن فيليب بوتو المرشح المعادي للرأسمالية، أنه لا يجب التصويت بتاتا لليمين المتطرف.
ويرى المراقبون أن توقعات الفوز بـ"مفتاح الإليزيه" تتجه نحو ماكرون إلى حد كبير، مشيرين إلى أهمية دعم المرشحين الخاسرين له، كونهم يعبرون عن كتلة تصويتية لا يمكن الاستهانة بها، كما أنه يحظى بدعم قطاع من الفرنسيين يرفضون بعض الأفكار المتعلقة بالأحزاب اليمينية.
ويشير المراقبون إلى أن معظم الخاسرين في الجولة الأولى قد ذهبوا لدعم ماكرون باعتباره الأقل حدة في الأفكار والمقترحات من منافسته لوبان، وأكثر رشدا في التعامل مع الملفات الدولية والإقليمية وكذلك المحلية.
فقد وصل ماكرون إلى السلطة قبل خمس سنوات، كشخصية غير معروفة، حيث كان وزير اقتصاد سابق يتمتع بشخصية كاريزمية ولم يسبق له أن ترشح لمنصب بالانتخاب من قبل، وقد عرض رؤية أكثر وسطية لفرنسا. وتميز حزب "إلى الأمام" الذى أسسه ماكرون بتوجهات يسارية وسطية في دمج بين الشعبوية والليبرالية الجديدة.
وبدأ ماكرون صعوده إلى السلطة هينا، لكنه كان عليه أن يبحر في المياه السياسية المتقلبة من أجل تمرير إصلاحاته المثيرة للجدل التي وعد بها الناخبين. وقد سهّل ماكرون على الشركات فصل العاملين، وخفّض الضرائب وفرض قوانين أمنية مشددة لمواجهة الإرهاب. لكنه اضطر إلى إلغاء ضريبة مقترحة على الوقود في 2018 بعد أسابيع من الاضطرابات التي غذاها المحتجون من أنصار حركة السترات الصفراء.
وتعرضت إصلاحاته الأخرى، ومن بينها وعد بتخفيض معدل البطالة من أكثر من 10 في المائة إلى 7 في المائة بحلول 2022، لضربة من جائحة كوفيد، على الرغم من أن معدل البطالة انخفض حالياً إلى 7.4 في المائة.
وهو يقترح الآن تحقيق التشغيل الكامل للأيدي العاملة في غضون خمسة أعوام، وتخفيض الضرائب بمقدار 15 مليار يورو في السنة عن الأُسر ومؤسسات الأعمال التجارية، وتمويل برنامجه من خلال الرفع التدريجي لسن التقاعد من 62 إلى 65.
ولا يتمتع اقتراح رفع سن التقاعد بشعبية مع مواجهة الناخبين لأزمة طاحنة تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة. وقد اتهمه خصومه أيضاً بالاعتماد على النصيحة الباهظة التكلفة من شركة الاستشارات الأمريكية "ماكينزي". واتهمته ماري لوبان بأنه "مرشح المالية" الثري، مع أنها هي نفسها من ملاكي العقارات.
واضطر إلى إعادة التفكير في خطة مثير للجدل تتعلق بجعل المساعدة الحكومية بالعودة إلى العمل للعاطلين عن العمل والمسماة اختصاراً "أر أس إيه" مشروطة بأن يعمل الشخص ما بين 15-20 ساعة في الأسبوع. ويرغب ماكرون أيضاً في الاستثمار بالقوات المسلحة من خلال مضاعفة أعداد قوات الاحتياط في فرنسا.
أما مارين لوبان، فتعد هذه ثالث محاولة لها للوصول إلى السلطة، لكنها تمثل فرصتها الأكبر حتى الآن. لقد جعلت هذه الانتخابات خياراً حول مستقبل المجتمع والحضارة في بلادها ووعدت بـ "إعادة السيادة الفرنسية".
كان اسم عائلتها مرادفاً لتيار أقصى اليمين في فرنسا طوال عقود، ولكن عندما تولت في عام 2011 منصب زعيمة أقصى اليمين من والدها جان-ماري لوبان، انطلقت في إصلاح حزبه القديم الجبهة الوطنية وجعلته حزبها.
وأصبحت مارين لوبان، اللاعبة السياسية في فرنسا منذ سنوات، عضوة في البرلمان الأوروبي قبل أن تتحرك لتحقيق طموحاتها الرئاسية. وبعد أن هُزمت من جانب إيمانويل ماكرون في جولة الإعادة من انتخابات 2017، أعادت تسمية حزبها باسم "حزب التجمع الوطني".
ولم يعد بوسعها أن تدعي احتكارها لأصوات اليمين المتشدد، لكن في هذه الانتخابات هذا جعلها تبدو أكثر اعتدالاً. فقد جذب منافسها الأكثر تشدداً إريك زمور المنشقين عن معسكرها، ومن بينهم ابنة شقيقها. وبينما جعلها تبدو أقل تطرفاً فيما يتعلق بالإسلام والهجرة، فإنها الآن مرشحة لأن تكسب الحصة التي حصدها من الأصوات والبالغة 7 في المائة.
لقد صاغت رسالة متماسكة مناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي، ووصف ماكرون سياساتها بأنها عنصرية. وكانت لوبان قد أعربت في السابق عن إعجابها بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين واعتمدت على قرض من بنك روسي لتمويل حملتها الرئاسية في 2017. وهي تدين الآن الغزو الروسي لأوكرانيا بينما تحذر من خطر العقوبات على الاقتصاد الفرنسي.
وعدت لوبان البالغة من العمر 53 عاماً بوقف الإساءة لحق اللجوء، من خلال إجراء استفتاء حول تقييد الهجرة. وتريد أيضاً أن تفرض حظراً على ارتداء الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة. وتسعى كذلك إلى تحويل الاتحاد الأوروبي إلى حلف للدول لا يجد تحدياً من القوانين الأوروبية وسحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما تريد لوبان أن تعفي الأشخاص دون سن الثلاثين عاماً من ضريبة الدخل. وتعفي الشركات من دفع المساهمات الضريبية إذا رفعت تلك الشركات الحد الأدنى للأجور لديها بنسبة 10 فى المائة لمعظم موظفيها.
اترك تعليق