لقد خلق الله آدم ليكون خليفته في الأرض، وليحقق مراده ويكن خير مثال يكشف بطاعته وعصيانه عن مكنون الله و ذاته..
ولتكن على يقين أن علم الله هو علم آنية لا يكون باسبقية او تبعية، فالله مفارق للأزمان والأكوان..
فمنذ خلق الله آدم وهو يعده لمهمة عظيمة، ونفخ فيه من روحه لتقوّم ما أعوج فيه من زيغ نفسه، ولكن بمقدار لا يصلحها بالكلية، ولا يتركها للشهوانية البحتة والدونية .
ولكن هناك بعض خلقه من يؤيدهم الله بروح منه ويهديهم السوية، ولو أراد ربك لأعطى كل نفس هداها.
وإذ أن كل إمرء يخرج من رحم، فإن رحم اعداد آدم عليه السلام كانت الجنة..
أن صفات ذات الله العظيمة يكشف عنها الإنسان بعصيانه وطاعته . فلولا عصيان الإنسان ما عرفنا المتحقق في الله من صفات الرحمة والجود والعفو والكرم والقهر والانتقام. ولولا طاعة الإنسان ماعرفنا الله القدوس ذو الجلال والإكرام.
نعتقد أن آدم عليه السلام كان في الجنة، وعندما عصى الله وأكل من الشجرة أخرجه الله منها وهبط إلى الأرض..
نعم ؛ لقد كان في الجنة ولكن ليست جنة المأوى التي وعد الله عباده المتقين في الآخرة، وإنما هي رحم اعداد أراد الله أن يُسكن آدم وحواء فيها، ولا يجعلهم يهبطوا إلى الأرض حتى يعصوه . أي أن الله أراد أن يطمئن أن آدم الذي يحضر الحضرة الإلهية وانكشف له الله وتجلى الله له بتجلٍ صارخ اختار أن يعصي الله، فأصبح آدم رغم قربه من الله يقرر أن يعصي، وهذه هي مرحلة الإعداد..
ليس كما نظن أن الله كان يريد أن يسكن آدم الجنة ويخلد فيها، وإنما أراد الله أن يطمئن أن آدم قادر على العصيان.. قد يكون الأمر ثورياً، ولكن عند الأخذ في الاعتبار أن العصيان جندي مهم من جنود الله الذي تتحقق به صفات الله، لأصبح بديهياً لنا ذلك..
هناك فارق شاسع بين الإيمان بأن خطيئة آدم كانت سبباً لإخراجه من جنة النعيم لأنه عصى الله، وبين الإيمان بأن الله أراد أن يطمئن أن آدم أصبح قادراً على العصيان لأول مرة ، فأصبح جاهزاً أن يهبط إلى الأرض، ويكون خليفته فيها وقادراً أن يقوم بدوره على مسرح تجربة الحياة المؤقتة.. وما خلافة الله إلا توكيلاً بالاعمار ونشر العدل بين المخلوقات الأخرى، والقوامة الحقة، والإحسان لخلق الله وكونه..
لقد عصي الله آدم لأنه خالف تعليماته، ولكن آدم لم يفعل ذلك محطماً وهادماً لما أراده الله كما يعتقد الكثير..
إن الله خلق آدم لكي يحقق صفاته ويكشف عن ذات الله البر الرحيم، ولولا عصيان آدم ثم توبته ما عرفنا أن الله تواب، ولولا ظلم الإنسان وتجبره ما عرفنا الله الحكم العدل الذي يحكم بالميزان..
إن المتأمل في النص القرآني يفهم من قول الله
"إني جاعل في الأرض خليفة" انه كما أسلفت ذكره هو المراد.. لقد قال الله إني جاعل في الأرض خليفة قبل أن يعصي آدم. وما الأسماء كلها إلا صفات الله المكنونة المتحققة عن طريق آدم وصراعه مع نفسه والشيطان..
لقد علم آدم أن الله غفور فقال : إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. لقد كان آدم على يقين بأن الله غفور ورحيم ويحب التوابين والطارقين لباب كرمه.
إن الله الحكيم الذى ارتضى ترك خلقه لأفكارهم دون تدخل صارخ وهداية معونة متأججة، لهو ينظم بذلك تقديراً محكماً تتهيأ به الأنفس البشرية لمسرح تجربته الدنيوية الكبرى فيفصل بين عباده ويمحصهم وتنكشف لهم أسرار ذاته ..
فتسابق يا أخي إلى رحاب ربك.. يا من أنهكك عصيانك، فلتهرول مسرعاً إلى رحاب ربك الرحيم الغفور..
وأعلم انك لن تكن منتجاً لفكرٍ مالم يكن بداخلك طفل صغير يسأل محلقاً بلا سقف، ذلك الذي يملك الروح التي لم يحجبها شيطان ولا قيد ولا شك.. فلتكن ذلك الطفل أو فلتجاوره !..
بقلم د. محمد السيد السّكي الكاتب والروائي واستشاري التحاليل الطبية
Email : [email protected]
اترك تعليق